الجمعة، 8 أغسطس 2025

الإساءة التفاعلية: فهم الظاهرة والتصدي لها Reactive Abuse

 



تُعد الإساءة التفاعلية (Reactive Abuse) ظاهرة معقدة في سياق العلاقات المسيئة. غالبًا ما يتم الخلط بينها وبين الإساءة المتبادلة، لكنها تختلف عنها جوهريًا. الإساءة التفاعلية ليست سلوكًا باديًا من الشخص، بل هي رد فعل على إساءة مستمرة أو سلوك مسيطر يمارسه الشريك الآخر. بعبارة أخرى، هي آلية دفاعية تُستخدم لمواجهة الإساءة، وليست شكلاً من أشكال العدوان الأصيل.

كيف تبدو الإساءة التفاعلية؟

الشخص الذي يتعرض للإساءة التفاعلية قد يُظهر سلوكيات تبدو مسيئة للوهلة الأولى، مثل الصراخ، أو دفع الشريك بعيدًا، أو حتى الرد بكلمات قاسية. هذه الأفعال لا تهدف إلى السيطرة أو الإيذاء المتعمد، بل هي محاولات يائسة للدفاع عن النفس أو لوضع حد للإساءة التي يتعرض لها. غالبًا ما يشعر هذا الشخص بالذنب والخجل من تصرفاته، ويُمكن أن يستخدم الشريك المسيء هذه الأفعال لإقناعه بأنه هو المعتدي.

علامات مميزة للإساءة التفاعلية:

  • رد فعل على استفزاز: لا تبدأ الإساءة التفاعلية من العدم، بل هي رد على سلوك مسيء أو استفزازي من الشريك.
  • شعور بالذنب: الشخص الذي يُظهر هذا السلوك غالبًا ما يشعر بالندم أو الذنب بعد ذلك، على عكس المسيء الحقيقي الذي قد لا يُظهر أي ندم.
  • نمط متكرر: غالبًا ما يتبع هذا السلوك نمطًا متكررًا، حيث تتصاعد الإساءة من الشريك الأول، مما يؤدي إلى رد فعل دفاعي عنيف من الشريك الثاني.

كيف يختلف المسيء التفاعلي عن المسيء الحقيقي؟

الفرق الرئيسي يكمن في الدافع. المسيء الحقيقي يسعى إلى السيطرة، الهيمنة، والتحكم بالشريك. بينما المسيء التفاعلي يسعى إلى الدفاع عن نفسه، حماية حدوده، أو إنهاء دورة الإساءة. المسيء الحقيقي يستخدم الإساءة أداةً لتحقيق أهدافه، أما المسيء التفاعلي فيستخدمها كدرع واقٍ في مواجهة الأذى.

دور المسيء الحقيقي في الإساءة التفاعلية

غالبًا ما يُتقن المسيء الحقيقي التلاعب بشريكه ليشعر بالذنب والمسؤولية عن الإساءة التفاعلية. يُمكن أن يستخدم عبارات مثل "أنتِ دائمًا تبالغين في ردة فعلكِ"، أو "أنتِ التي بدأتِ بالصراخ"، أو "انظري ماذا جعلتِني أفعل"، لإلقاء اللوم على الضحية وتبرير إساءته. هذا التلاعب يُعرف باسم قلب الحقائق (Gaslighting)، وهو يُعمق من شعور الضحية بالارتباك، الذنب، والعجز.

كيفية التعامل مع الإساءة التفاعلية

1.   فهم الظاهرة: الخطوة الأولى هي إدراك أن الإساءة التفاعلية هي رد فعل طبيعي على الإساءة، وليست دليلًا على أنك شخص سيئ أو مسيء بطبعك.

2.   طلب المساعدة: التحدث مع معالج أو مستشار نفسي متخصص في علاقات الإساءة يمكن أن يساعدك على فهم ما تمر به وتطوير استراتيجيات صحية للتعامل مع الموقف.

3.   وضع الحدود: من الضروري تعلم كيفية وضع حدود واضحة مع الشريك المسيء، ورفض الاستجابة للاستفزازات التي تهدف إلى إثارة ردة فعل عنيفة.

4.   الابتعاد عن العلاقة: في كثير من الحالات، يكون الحل الأمثل هو الابتعاد عن العلاقة المسيئة. لا يُمكن للشخص أن يتعافى من الإساءة التفاعلية في بيئة لا تزال تُمارس فيها الإساءة.

تذكر دائمًا، أن الإساءة التفاعلية ليست خطأك. هي نتيجة بيئة سامة وغير صحية فرضها عليك شخص آخر. الاعتراف بالواقع والبحث عن الدعم هما خطوتك الأولى نحو الشفاء.

كيفية التعرف على علامات الإساءة في العلاقات

بالتأكيد، بناءً على مناقشتنا السابقة حول الإساءة التفاعلية، يمكننا الآن التعمق في كيفية التعرف على العلامات المختلفة للإساءة في العلاقات بشكل عام. يمكن أن تظهر الإساءة بأشكال متعددة، وليست دائمًا جسدية.

علامات الإساءة العاطفية والنفسية

هذا النوع من الإساءة غالبًا ما يكون خفيًا وصعبًا على الضحية إدراكه في البداية، ولكنه يترك آثارًا عميقة على الصحة النفسية.

  • التقليل من الشأن (Gaslighting): يجعل المسيء الضحية تشك في ذاكرتها، إدراكها للواقع، وصحتها العقلية. يستخدم عبارات مثل: "أنت تبالغين في ردة فعلك"، "هذا لم يحدث أبدًا"، أو "أنت مجنون".
  • العزل: يحاول المسيء عزل الضحية عن الأصدقاء والعائلة، مما يجعلها تعتمد عليه بالكامل. قد يمنعها من التواصل مع الآخرين أو يزرع الشكوك حول نواياهم.
  • التهديدات والابتزاز العاطفي: يهدد المسيء بإنهاء العلاقة، أو إيذاء نفسه، أو فضح أسرار الضحية إذا لم تفعل ما يريده.
  • النقد المستمر: لا يتوقف المسيء عن انتقاد كل شيء في الضحية، من مظهرها إلى شخصيتها، مما يؤدي إلى تدمير ثقتها بنفسها.
  • السيطرة والتحكم: يتحكم المسيء في قرارات الضحية، مثل من يمكنها أن تقابله، أين تذهب، وماذا تفعل، أو حتى كيف تنفق أموالها.

علامات الإساءة الجسدية

تُعد الإساءة الجسدية هي الأكثر وضوحًا، ولكنها قد تبدأ بأشكال بسيطة قبل أن تتصاعد.

  • الضرب والدفع: أي شكل من أشكال العنف الجسدي، مثل الضرب، الركل، الدفع، أو الخنق.
  • منع الطعام أو النوم: إيذاء جسدي غير مباشر عن طريق حرمان الضحية من احتياجاتها الأساسية.
  • التهديدات بالعنف: التهديد اللفظي باستخدام العنف ضد الضحية أو ضد أشخاص مقربين منها.

علامات الإساءة الجنسية

  • الإكراه على ممارسة الجنس: إجبار الضحية على ممارسة أي نشاط جنسي ضد إرادتها.
  • لمس أو تعريض جسد الضحية بشكل غير لائق: أي سلوك جنسي غير مرغوب فيه.
  • التقليل من شأن الضحية جنسيًا: استخدام الكلمات أو الأفعال التي تجعل الضحية تشعر بالخجل أو الإهانة بسبب جسدها أو جنسانيتها.

علامات الإساءة المالية

  • التحكم بالمال: يتحكم المسيء في أموال الضحية، ويمنعها من الوصول إلى حساباتها البنكية أو إنفاق المال على احتياجاتها.
  • الاستغلال المالي: يجبر المسيء الضحية على إعطائه أموالها أو توقيع وثائق مالية ضارة بها.

ماذا تفعل إذا تعرفت على هذه العلامات؟

1.   اعترف بالوضع: الخطوة الأولى هي الاعتراف بأنك في علاقة مسيئة.

2.   ابحث عن الدعم: تحدث مع صديق موثوق به، فرد من العائلة، أو مستشار نفسي.

3.   ضع خطة للسلامة: إذا كنت تشعر بالخطر، ضع خطة لمغادرة العلاقة بشكل آمن.

4.   اطلب المساعدة المهنية: المتخصصون في الصحة النفسية أو المنظمات التي تدعم ضحايا العنف الأسري يمكنهم تقديم الدعم اللازم.

تذكر دائمًا أنك تستحق الاحترام، الأمان، والسعادة في علاقاتك. لا تخف من طلب المساعدة، فهذه هي الخطوة الأولى نحو الشفاء.

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق