في زمن تكتظ فيه الشاشات بالعنف والصراعات، يأتي فيلم "الخريطة التي تؤدي إليك" (The Map That Leads to You) ليقدم جرعة من الرومانسية الصافية، مستعيدًا دفء الأفلام الكلاسيكية التي سادت في سبعينيات القرن الماضي. إنه ليس مجرد قصة حب، بل رحلة عبر الذاكرة والتاريخ والجغرافيا، تحوِّلها الأقدار إلى مواجهة فريدة مع الحياة نفسها.
طاقم العمل
الفيلم من إخراج المخرج السويدي Lasse Hallström، وهو مخرج مشهور بأفلامه التي تتميز بالدفء الإنساني والقصص المؤثرة، مثل "Chocolat" و "The Cider House Rules".
. يشارك في بطولته الممثل الصاعد كيه. جيه. أبا (KJ Apa) بدور الشاب النيوزيلندي جاك الذي يترك كل شيء خلفه ليتبع أثر جده في الحرب العالمية الثانية، والممثلة الشابة مادلين كلاين (Madelyn Cline) التي تجسد دور فتاة الأحلام هيذر التي يلتقي بها صدفة في قطار أوروبي .
قصة الفيلم
تبدأ القصة بشاب يقرر تكريم ذكرى جده الراحل عبر تتبع مذكراته التي تصف كل موقع خطت قدمه فيه خلال الحرب. وبينما يقتفي أثر الماضي، يجد نفسه في رحلة حاضرية حالمة، حيث يزور مواقع سياحية ومدنًا أوروبية ساحرة، ليجعل الفيلم تحفة بصرية لهواة السفر. هذه المشاهد البانورامية ليست مجرد خلفية، بل هي جزء أساسي من سردية الفيلم، تُضفي عليها طابعًا حالمًا أشبه بالقصص الخيالية.
في القطار، يقع اللقاء المصيري بين بطلنا والفتاة الأمريكية، التي تحمل هي الأخرى كتابًا مشابهًا لهيمنجواي. تتوطد العلاقة بينهما بسرعة، ويتحول مسار رحلتهما إلى مغامرة مشتركة، يمران فيها بكل قرية مر بها الجد الجندي. يعيشان معًا "إجازة أشبه بالحلم"، لكن الحلم ينتهي على موعد الرحيل، وتطرح الفتاة سؤالًا وجوديًا حول مستقبل علاقتهما.
في لحظة تبدو فيها النهاية سعيدة، يتلقى الشاب رسالة من طبيبه تؤكد إصابته بمرض عضال. وفي قرار قاسٍ لكنه نبيل، يقرر التخلي عن حب حياته، ويتركها وحيدة في المطار لتخوض رحلة العودة. هذا المشهد يذكّرنا بالقصص الكلاسيكية التي تعلي من قيمة التضحية.
تبدأ هيذر في محاولة نسيان هذه القصة، وتعود إلى روتين حياتها في نيويورك. لكن قصة حبها لا تفارقها. في لحظة ضعف، تحكي لوالدها عن حيرتها، فيشجعها على أن تفعل ما تريد، ويتذكرا معًا قصة تخلّي والدتها عنهما في الماضي. هذا المشهد الإنساني العميق يُظهر كيف أن الألم يمكن أن يكون دافعًا للتغيير والبحث عن السعادة.
تأتي نقطة التحول في الفيلم عندما تتلقى هيذر دعوة لحضور حفل زفاف صديقتها التي شاركتها الرحلة. هناك، تحصل على رسالة من حبيبها الغائب، يكشف فيها حقيقة مرضه. لكنه لا يترك أي دليل على مكانه. تتذكر هيذر حديثهما عن بلدة صغيرة نائية ذكرها جده في مذكراته، "بلدة يرقص أهلها في مواجهة الموت". تُدرك أن هذا هو مكانه، وتتبع أثر "الخريطة" أملاً في لقائه .
الفيلم في جوهره دعوة للحب والسلام في زمن تسيطر عليه الكراهية والعنف. إنه يذكرنا بأفلام سبعينيات القرن الماضي، حيث كانت الرومانسية سائدة في السينما المصرية، تحديدًا في أفلام الفنان محمود ياسين مع الفنانة نجلاء فتحي، التي كانت تتميز برقتها وأجواءها الحالمة. إن التشابه ليس فقط في الأجواء، بل في رسالة الفيلم الأساسية: الرقص في مواجهة الموت.
نحن نعيش الآن في عالم يخيّم عليه شبح العنف والدمار، شبيه بأجواء الحرب العالمية الثانية التي دارت في الفيلم. فهل يمكننا أن نتعلم من هذه القصة، وأن نرقص نحن أيضًا في وجه هذا الخوف، وأن ننبذ كل ما يسبب الألم والحزن؟ هذا هو السؤال الذي يتركه الفيلم للمشاهد. إنه ليس مجرد فيلم، بل مرآة تعكس واقعنا، وتدعونا للبحث عن الحب والأمل حتى في أحلك الظروف.
ملاحظة:
المخرج لاسه هالستروم معروف بأسلوبه الفريد الذي يجمع بين الرومانسية والدفء الإنساني، مع لمسة من السحر والخيال.
أفلامه غالبًا ما تركز على شخصيات تعيش في عوالم منعزلة أو غريبة، وتجد الحب والترابط في ظروف غير متوقعة. هذه الأجواء التي وصفتها عن فيلم "الخريطة التي تؤدي إليك" تتناسب تمامًا مع بصمته الإخراجية، فهو يتقن صنع قصص تحرك المشاعر وتلهم الأمل، حتى في مواجهة التحديات الصعبة.
.png)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق