إن قيادة الجماهير، وتنمية النزعات الشعبوية فيهم، وزرع العنصرية والطائفية، وجعلهم يسيرون وراء قادتهم بلا وعي ولا تحليل منطقي ولا تفكير في العواقب حتى لو قادوهم نحو الهاوية، لهو أمر ليس باليسير ويتطلب من هؤلاء اتباع تقنيات خاصة، منها ما يتم الإعلان عنه، ومنها ما ينكشف لاحقًا، ومنها ما يظل طي الكتمان.
سوف تنكسر
ومن هذه التقنيات ما مارسته حكومة ألمانيا النازية ضد مواطنيها الذين صنفتهم كمعارضين سلبيين. ويعني مصطلح "معارض سلبي" الشخص الذي يتناول أفعال النظام بالنقد الموضوعي، ويحلل ما ينجم عن هذا النظام من أقوال وأفعال من وجهة نظر بحثية وعلمية، ولا ينقاد وراء الدعاية الزائفة، ولا يصدق الأكاذيب التي ينشرها إعلام الأنظمة الشمولية.
هو ليس معارض صريح فهو لا ينتمي لأي حزب، ولا يقود مظاهرات، ولا يندرج ضمن اتحادات عمالية أو مهنية، ولكنه شخص عقلاني صادق، يبحث عما فيه الصالح العام، ولا يحب الكذب والفساد، فتراه هذه الأنظمة بمثابة خطر يتهدد مشروعاتها، فتعمل على تفكيكه كإنسان وتجريده من مقوماته الإنسانية مثل المهنة والعائلة والأصدقاء والسمعة الجيدة، وتنتهك أدق خصوصياته وتمارس عليه أنواع غير اعتيادية من التعذيب النفسي والجسدي وحتى يتحلل وينهار بشكل كامل.
تاريخ التقنية
إن تاريخ التقنية يرجع إلى العصر النازي في ألمانيا، ولقد تم تسجيل ازدهار جديد لهذه التقنية ضد المعارضين في عام 1971 في ألمانيا الشرقية، حيث تم استهداف المعارضين السلبيين بأنواع غير اعتيادية من التعذيب النفسي والحصار والانتهاك، وتوظيف مخبرين يمارسون عليهم ضغوط نفسية وجسدية ومادية عديدة بدون الإفصاح عن أهدافهم أو الجهات التي ينتمون إليها، ومن هؤلاء الضحايا مراهقين لا يزيد عمرهم عن 14 سنة، ولقد تم الكشف عن هذا البرنامج بعد سقوط حائط برلين، وقدرت أعداد الضحايا بحوالي عشرة الاف شخص نصفهم كان يعاني من دمار نفسي غير رجعي.
التعريف
Zersetzung هي عملية تخريب وتحييد للخصوم تتم عبر انتهاك شديد لخصوصيات الهدف ولحياته الأسرية، ما يجعله غير قادرًا على الاستمرار في سلوكه السلبي المعادي للنظام ويتم في هذه الحالة جمع معلومات كاملة عن الضحية واستخدامها من أجل تخريب مهنته وعلاقاته الشخصية وزواجه وسمعته في المجتمع، كما قد يسعى النظام لعزل الفرد عن أبناءه، وبعد استهداف الفرد بهذه التقنية يصبح خلال أشهر وربما سنوات غارقًا لأذنيه في المشكلات حتى يفقد القدرة على الكفاح من أجل حل هذه المشكلات ويتوقف عن المحاولة ويصبح منهارًا بشكل كامل.
والشخص المستهدف قد لا يدرك أنه واقع بالفعل تحت طائلة الأجهزة الأمنية فيعتقد أن السماء غاضبة عليه لسبب ما أو أنه شخص سيء بالفعل، أو لا أحد يفهمه، فالأجهزة الأمنية تدير العملية من على بعد وتوعز للأخرين - بالتهديد أو بالمال والمكافئات - للإساءة للشخص المستهدف وعزله وتدمير حياته.
لماذا يتم استخدام هذه التقنية بدلًا من الحبس والأساليب الاعتيادية؟
عادة ما لا يكون الشخص المستهدف خارجًا على القانون، أو لا يمكن توجيه أي اتهام له، فهو عمليًا لم يرتكب أي جرم، هو فقط يوضح الحقائق ويتبنى قيم عليا يرفضها النظام، ولذلك يتم وضعه ضمن البرنامج عسى أن يتمكن القائمون عليه من إيجاد ما يمكنهم استخدامه ضده من مخالفات كأن يكون مرتشي أو لديه علاقات غير مشروعة أو يقوم بعمليات احتيال أو غيرها من الجرائم الغير سياسية، فإن كان مستقيمًا يمكنهم تدميره عن بعد دون أن يقع عليهم أي مسؤولية.
فالنظام يعمل على تدمير صورة الهدف وتخريب سمعته وكسر هيبته أمام المجتمع، ويقوم بتخريب علاقاته الاجتماعية ومهنته وثقته بنفسه وبمستقبله ويزرع في نفسه الشك تجاه من يتعامل معهم.
السمات الشخصية والأفعال التي يمكن للنظام استغلالها في تدمير الهدف
لقد استغل القائمون على البرنامج بعض السمات والأفعال الشخصية للهدف مثل الشذوذ الجنسي أو الفشل المهني أو الإهمال في أداء المسؤوليات العائلية أو إدمان الخمر أو القمار أو إدمان المخدرات والعقاقير أو حتى أفعال الأشخاص المحسوبين عليه من أجل تدمير سمعته وكسره.
لقد استغل هؤلاء كل ما يمكنهم استغلاله مثل تخريب الممتلكات والتشخيص الطبي الخاطيء المتعمد أو بث وثائق مزيفة أو صور غير حقيقية عن الهدف والتنصت على مكالماته وتتبعه.
لقد استخدم النظام أشعة ضارة على الضحية مثل أشعة إكس لتدمير صحته أو ترهيبه بالمكالمات الغامضة أو بأفعال الأشخاص المأجورين عليه.
إنهم يدمرون علاقاته الخاصة بمن يحبهم ويدمرون زواجه بإرسال صور مزورة للزوج أو الزوجة وعمل مكالمات مزيفة توحي بوجود علاقة غير مشروعة.
وهم ينشرون الشكوك بين التجمعات وينشرون الشائعات ويتلاعبون بالصور ، ومن أهم التجمعات المستهدفة بهذا البرنامج الفنانين المعارضين للنظام، والجماعات الدينية المعارضة، والمنظمات حقوقية أو المنظمات الداعية للسلام.
دير شبيجل
في عام 1977 نشر الصحفي يورغن فوكس سلسلة من المقالات بجريدة دير شبيجل الألمانية تحت عنوان "سوف تنكسر" تحدث فيها عن هذا البرنامج وما تمارسه السلطات في ألمانيا الشرقية على المعارضين من أعمال إجرامية للتخلص منهم بدون ترك بصمتهم.
وكان الرد المعتاد "أن الصحفي يعاني من جنون الاضطهاد" !!
ألا يذكرك هذا بشئ؟
استخدام تقنية Zersetzung في العصر الحديث
إن العالم الذي يدعي تبرّئه من أساليب النازية يستخدمها سواء على مستوى الحكومات أو المؤسسات، ولقد تم توثيق استخدام تقنية Zersetzung في العصر الحديث حيث تم تطبيقها على معارضين وسياسيين في روسيا وعلى دبلوماسسين أجانب.
ونشرت صحيفة واشنطن بوست تحقيق تناول استخدام هذه التقنية من الاستخبارات الروسية على دبلوماسيين أمريكيين في موسكو وعواصم أوروبية مختلفة.
العالم العربي
يمكنك ملاحظة تطبيق هذه التقنية على كل ناقد أو معارض في العالم العربي من المحيط إلى الخليج، فالأنظمة ستمارس عليك أعلى مستويات الضغط العصبي والمادي والجسدي والنفسي ودون أن تمسك بشكل مباشر.
وأقرب نموذج لاستخدام هذه التقنية ما حدث مع الدكتور أيمن منصور ندا فبمجرد أن أظهر استيائه من مستوى الإعلام في بلاده وهو أعلى شخصية اكاديمية في هذا المجال حيث أنه يشغل منصب "أستاذ ورئيس قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة" عملت التقنية ضده على الفور وبحثوا في دفاتره القديمة ليستغلوا خلافًا دب بينه وبين أحد زملاءه في إيقافه عن العمل، ثم تم التشهير به في كافة برامج التوك شو، وتم كتابة مقال مطول - مشوه وغير احترافي - من شخص ما يؤكد فيه أنه "مريض بجنون الاضطهاد"
فهذه هي التهمة التي يرفعها النظام في وجهك في هذه الحالة لأنك بكل بساطة لا يمكنك إثبات حقيقة ما تتعرض له من تنكيل منظم، فالكل في خدمتهم يسعى لإرضائهم بكل السبل، وهم فوق المحاسبة، وهم يملكون الشاشات والمال والحل والربط وهم الآمرون الناهون والعاطون المانعون، إنهم آلهة على الأرض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق