اختيار خليفة البابا فرنسيس يتبع عملية تقليدية في الكنيسة الكاثوليكية تُعرف باسم المجمع الانتخابي (Conclave)، وهي تختلف في بعض التفاصيل عن التصوير الدرامي في أفلام مثل "The Conclave" بطولة رالف فينيس، حيث تُضيف الأفلام عناصر درامية وتخييلية لجذب الجمهور.
كيفية اختيار البابا:
المجمع الانتخابي: بعد وفاة البابا أو استقالته (كما حدث مع بنديكتوس السادس عشر)، يجتمع الكرادلة الذين تقل أعمارهم عن 80 عامًا في المجمع الانتخابي في كنيسة سيستين بالفاتيكان لانتخاب البابا الجديد.
التصويت: يتم التصويت سرًا في جولات (تصل إلى أربع جولات يوميًا). يتطلب انتخاب البابا أغلبية الثلثين من الأصوات. إذا لم يتم الوصول إلى أغلبية، تُحرق الأوراق الانتخابية مع مادة كيميائية تُنتج دخانًا أسود يُرى من الخارج. عند اختيار البابا، يظهر دخان أبيض.
القبول والإعلان: بعد الانتخاب، يُسأل المرشح إذا كان يقبل المنصب، ثم يختار اسمًا بابويًا. يُعلن انتخابه من شرفة بازيليك القديس بطرس بجملة "Habemus Papam" (لدينا بابا).
من هم المرشحون لخلافة البابا؟
بعد وفاة البابا فرنسيس في 21 أبريل 2025، برزت عدة أسماء كمرشحين محتملين لخلافته على كرسي الكنيسة الكاثوليكية، وفقًا لتقارير إعلامية وتكهنات مراقبي الفاتيكان. يتم انتخاب البابا الجديد من خلال مجمع الكرادلة في تصويت سري داخل كنيسة سيستين، ويتطلب الفوز أغلبية الثلثين من الكرادلة الذين تقل أعمارهم عن 80 عامًا. فيما يلي أبرز المرشحين المطروحين:
- الكاردينال لويس أنطونيو تاجلي (فلبيني، 67 عامًا)
- يُعتبر الأوفر حظًا وفق مكاتب المراهنات بنسبة 3:1.
- رئيس مجمع تبشير الشعوب، ويُلقب بـ"فرنسيس الآسيوي" لتقاربه الفكري مع البابا فرنسيس.
- يدعم أجندة تقدمية، مع آراء منفتحة تجاه قضايا اجتماعية مثل المثلية والمطلقين.
- إذا انتخب، سيكون أول بابا آسيوي في التاريخ.
- واجه انتقادات بسبب فضيحة إدارية في منظمة كاريتاس الدولية عام 2022.
- الكاردينال بييترو بارولين (إيطالي، 70 عامًا)
- أمين سر دولة الفاتيكان منذ 2013، ويُنظر إليه كـ"رئيس وزراء" الفاتيكان.
- شخصية دبلوماسية بارزة، شارك في مفاوضات حساسة مع الصين والشرق الأوسط.
- يُعتبر مرشحًا معتدلًا، قادرًا على تحقيق التوازن بين المحافظين والتقدميين.
- يتمتع بخبرة إدارية واسعة، لكن محدودية خبرته الرعوية قد تكون عائقًا.
- الكاردينال بيتر توركسون (غاني، 76 عامًا)
- شخصية بارزة في قضايا العدالة الاجتماعية، مثل تغير المناخ والفقر.
- شغل منصب رئيس دائرة تعزيز التنمية البشرية المتكاملة.
- إذا انتخب، سيكون أول بابا أفريقي منذ البابا جيلاسيوس (492-496 م).
- احتمالات فوزه 5:1، لكنه صرح سابقًا بعدم رغبته في المنصب.
مقارنة مع فيلم "The Conclave" (2006)
فيلم "The Conclave" (2006) يصور المجمع الانتخابي لعام 1458، ويُركز على الصراعات السياسية والشخصية بين الكرادلة. بينما تعكس الأفلام مثل هذه التوترات، فإنها غالبًا ما تبالغ في الدراما أو تضيف عناصر خيالية. العملية الحقيقية أكثر تنظيمًا وطقوسية، وتخضع لقوانين كنسية صارمة (مثل الدستور الرسولي "Universi Dominici Gregis"). ومع ذلك، قد تحدث مناقشات وتكتلات بين الكرادلة حول صفات المرشح المثالي (مثل العمر، التوجه اللاهوتي، أو الخلفية الثقافية).
ملاحظات:
لا يُسمح بأي تواصل خارجي أثناء المجمع، ويتم اتخاذ تدابير أمنية مشددة.
عدد الكرادلة المشاركين محدود (حاليًا حوالي 120 كاردينالًا مؤهلين).
العملية قد تستغرق أيامًا أو أسابيع، لكنها عادةً تُنجز في غضون يومين إلى ثلاثة
.
تاريخ الباباوات في الكنيسة الكاثوليكية
تاريخ الباباوات في الكنيسة الكاثوليكية يمتد لأكثر من 2000 عام، بدءًا من القديس بطرس، الذي يُعتبر أول بابا، وصولًا إلى البابا الحالي فرنسيس. يبلغ عدد الباباوات حتى الآن 266 بابا وفقًا للتسلسل الرسمي للفاتيكان، مع بعض الفترات التي شهدت انقطاعات أو نزاعات مثل "البابوات المزيفين" (Antipopes). سأقدم نظرة موجزة عن تاريخ الباباوات مقسمة إلى حقب رئيسية مع أمثلة بارزة:
1. العصور المبكرة (القرن 1 - القرن 5):
القديس بطرس (30-67 م): يُعتبر أول بابا وأحد تلاميذ المسيح. استشهد في روما.
كليمنضس الأول (88-99 م): من أوائل الباباوات، اشتهر برسائله التي تُظهر سلطة روما المبكرة.
هذه الفترة شهدت اضطهاد المسيحيين تحت الأباطرة الرومان، وكان العديد من الباباوات شهداء.
2. العصور الوسطى المبكرة (القرن 6 - القرن 10):
غريغوريوس الأول "الكبير" (590-604): نظم الكنيسة، وساهم في نشر المسيحية في أوروبا، ووضع أسس الترانيم الغريغورية.
ليون الثالث (795-816): توّج شارلمان إمبراطورًا للإمبراطورية الرومانية المقدسة عام 800.
شهدت هذه الفترة صراعات مع الإمبراطوريات البيزنطية والفرنكية، وبروز ظاهرة البابوات المزيفين.
3. العصور الوسطى المتأخرة (القرن 11 - القرن 15):
غريغوريوس السابع (1073-1085): قاد إصلاحات كنسية كبرى ودافع عن سلطة البابوية ضد الإمبراطور هنري الرابع.
إنوسنت الثالث (1198-1216): ذروة النفوذ البابوي، قاد الحروب الصليبية وفرض سلطته على الملوك.
الانشقاق الغربي (1378-1417): فترة شهدت وجود باباوات متنافسين في روما وأفينيون، مما أدى إلى انقسام الكنيسة.
بيوس الثاني (1458-1464): بطل فيلم "The Conclave"، كان إنسانيًا ومؤلفًا قبل بابويته.
4. عصر النهضة والإصلاح (القرن 16 - القرن 17):
يوليوس الثاني (1503-1513): "البابا المحارب"، دعم الفنون (مثل مايكل أنجلو) وبدأ بناء بازيليك القديس بطرس الحديثة.
ليون العاشر (1513-1521): شهد بداية الإصلاح البروتستانتي بقيادة مارتن لوثر.
بولس الثالث (1534-1549): عقد مجمع ترنت (1545-1563) لمواجهة الإصلاح البروتستانتي.
5. العصر الحديث المبكر (القرن 18 - القرن 19):
بيوس التاسع (1846-1878): أطول فترة بابوية (31 عامًا)، خسر الدول البابوية لصالح توحيد إيطاليا، وأعلن عقيدة الحبل بلا دنس.
ليون الثالث عشر (1878-1903): أصدر وثيقة "Rerum Novarum"، التي وضعت أسس التعليم الاجتماعي الكاثوليكي.
6. القرن 20 والعصر الحديث:
بيوس الحادي عشر (1922-1939): وقّع اتفاقية لاتران مع إيطاليا، مكونًا دولة الفاتيكان.
يوحنا الثالث والعشرون (1958-1963): عقد المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) لتحديث الكنيسة.
يوحنا بولس الثاني (1978-2005): أول بابا بولندي، ساهم في سقوط الشيوعية، وكان له تأثير عالمي كبير.
بنديكتوس السادس عشر (2005-2013): استقال عام 2013، وهي أول استقالة بابوية منذ قرون.
فرنسيس (2013-الآن): أول بابا من الأمريكتين، يركز على التواضع، العدالة الاجتماعية، وتغير المناخ.
ملاحظات:
مدة البابوية: تختلف من بضعة أيام (مثل أوربان السابع، 1590، 13 يومًا) إلى عقود (مثل بيوس التاسع).
البابوات المزيفون: ظهروا في فترات الانشقاق، مثل كليمنضس السابع في أفينيون.
التأثير السياسي: كان للباباوات نفوذ سياسي كبير في العصور الوسطى، لكنه تراجع في العصر الحديث مع تركيزهم على القيادة الروحية.
تطور دور البابا عبر التاريخ
دور البابا في السياسة تطور عبر التاريخ، من قائد ذي نفوذ سياسي مباشر في العصور الوسطى إلى قائد روحي يؤثر بشكل غير مباشر في السياسة العالمية في العصر الحديث. يعتمد هذا الدور على سلطته الروحية كرأس الكنيسة الكاثوليكية، وتأثيره الأخلاقي، وموقع دولة الفاتيكان ككيان سيادي. سأوضح تطور هذا الدور وأبرز جوانبه:
تاريخيًا: دور سياسي مباشر
العصور الوسطى (القرن 8 - القرن 15):
السلطة الزمنية: كان الباباوات يحكمون الدول البابوية (أراضٍ في وسط إيطاليا) كأمراء، مما منحهم نفوذًا سياسيًا وعسكريًا. على سبيل المثال، يوليوس الثاني (1503-1513) قاد حروبًا لتوسيع هذه الأراضي.
التتويج والصراع مع الملوك: الباباوات توّجوا أباطرة (مثل ليون الثالث الذي توّج شارلمان عام 800)، ودخلوا في صراعات مع الملوك حول السلطة، مثل نزاع غريغوريوس السابع مع الإمبراطور هنري الرابع في "نزاع التنصيب".
الحروب الصليبية: قاد الباباوات، مثل إنوسنت الثالث، حملات صليبية، ممزوجين الدين بالسياسة العسكرية.
عصر النهضة والإصلاح (القرن 16 - القرن 17):
تدخل الباباوات في السياسة الأوروبية، مثل دعم تحالفات ضد القوى البروتستانتية أو الإمبراطورية العثمانية.
بدأ تراجع النفوذ السياسي المباشر مع صعود الدول القومية.
القرن 19:
خسر البابا بيوس التاسع (1846-1878) الدول البابوية عام 1870 لصالح توحيد إيطاليا، مما قلص السلطة الزمنية.
أصبح الباباوات "أسرى الفاتيكان" حتى اتفاقية لاتران عام 1929، التي أسست دولة الفاتيكان ككيان سيادي.
العصر الحديث: دور أخلاقي ودبلوماسي
في الوقت الحاضر، يركز دور البابا السياسي على التأثير الأخلاقي والدبلوماسية بدلاً من السلطة المباشرة، مع الاستفادة من مكانة الفاتيكان كدولة محايدة والبابا كزعيم روحي لأكثر من 1.3 مليار كاثوليكي.
التأثير الأخلاقي:
القضايا العالمية: يتناول الباباوات قضايا مثل الفقر، تغير المناخ، الهجرة، والسلام. البابا فرنسيس، على سبيل المثال، أصدر وثيقة "Laudato Si'" (2015) للدفاع عن البيئة، ويضغط من أجل العدالة الاجتماعية.
الدعوة للسلام: يوحنا بولس الثاني (1978-2005) عارض حرب العراق عام 2003، وفرنسيس دعا إلى الحوار في نزاعات مثل الحرب في أوكرانيا.
الدبلوماسية الفاتيكانية:
الفاتيكان يحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع أكثر من 180 دولة، والبابا يلعب دور الوسيط في بعض الأزمات. مثال: دور فرنسيس في تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا عام 2014.
يستقبل البابا زعماء العالم ويشارك في حوارات مع قادة دينيين وسياسيين، مثل توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية مع شيخ الأزهر عام 2019.
التأثير على السياسة الداخلية:
في بلدان ذات أغلبية كاثوليكية (مثل الفلبين أو بولندا)، يمكن أن تؤثر مواقف البابا على الرأي العام في قضايا مثل الإجهاض أو زواج المثليين.
يتجنب الباباوات الحديثون التدخل المباشر في الانتخابات أو السياسات الحكومية، لكنهم يوجهون السياسيين من منظور أخلاقي.
حدود الدور السياسي:
الحياد: يُتوقع من البابا الحفاظ على حياد الفاتيكان في النزاعات الدولية.
التركيز الروحي: الإفراط في التدخل السياسي قد يثير انتقادات من المؤمنين أو السياسيين.
النفوذ المحدود: تأثير البابا يعتمد على قبول الدول والأفراد لمواقفه، وهو أضعف في الدول غير الكاثوليكية.
مثال معاصر: البابا فرنسيس
يُعتبر فرنسيس من أكثر الباباوات انخراطًا في القضايا السياسية بطريقة غير مباشرة، حيث يركز على:
الهجرة: دعا إلى استقبال المهاجرين وحماية حقوقهم.
الاقتصاد: انتقد الرأسمالية الجامحة ودعا إلى توزيع عادل للثروة.
العلاقات بين الأديان: سعى لتعزيز الحوار مع الإسلام واليهودية لتقليل التوترات السياسية الدينية.
مقارنة مع الماضي:
بينما كان الباباوات في العصور الوسطى يملكون جيوشًا ويفرضون ضرائب، أصبح دور البابا اليوم رمزيًا ومعنويًا، يعتمد على "القوة الناعمة" من خلال الخطابات، الزيارات الرسمية، والوثائق البابوية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق