الاثنين، 6 أكتوبر 2025

"ستيف Steve": تحفة كيليان مورفي الجديدة التي تتناول قضايا الصحة العقلية والتعاطف

 



يواجه عالمنا اليوم سيلًا من المشكلات المستعصية التي لا تلوح في الأفق أي حلول جذرية لها، سواء كانت أزمات اجتماعية أو نفسية أو مؤسسية.

في ظل هذا المشهد القاتم، يبدو الحديث عن "الأمل" أمراً مبتذلاً أو مجرد شعار أجوف، إذ يغيب أي شعاع شمس في الأفق، تماماً كالسماء الغائمة والخانقة التي تخيّم على سماء لندن.

تحت هذه السماء المثقلة، تدور أحداث فيلم "ستيف" (Steve)، حيث يجسّد النجم كيليان مورفي شخصية الأستاذ ستيف، مدير مدرسة إصلاحية للبنين. هنا، يتجسّد هذا اليأس العام في نطاق أضيق وأكثر حميمية.

فمهما كانت سلامة نوايا ستيف وإخلاصه في توجيه هؤلاء الأولاد المراهقين، فإن الواقع أقوى من إرادته. إن الألم الذي يعتمل بداخله، وصراعه الشخصي مع الإدمان، إلى جانب نقص التمويل الحاد الذي يهدد بإغلاق المدرسة، وحالة الضياع والتخلي التي يعيشها طلابه، كل ذلك يجعل من الوصول إلى حلول مُرضية أو نهاية سعيدة أمراً يكاد يكون مستحيلاً.

هذا الفيلم ليس عن الأبطال، بل عن المعركة الشرسة من أجل التعاطف وسط الخراب.

القصة: يوم حاسم في مدرسة إصلاحية

بعد نجاحه الهائل وفوزه بجائزة الأوسكار عن دوره في فيلم "أوبنهايمر" (Oppenheimer)، يعود كيليان مورفي بدور مركّب ومؤثر في هذا الفيلم الدرامي، الذي عُرض مؤخراً عالمياً على شبكة نتفليكس بعد انطلاقته الناجحة في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي 2025.

تدور أحداث الفيلم في منتصف التسعينيات في إنجلترا، ويركّز على يوم واحد محوري في حياة ستيف، المدير المخلص والمُنهك لمدرسة إصلاحية للبنين تُعرف باسم "الفرصة الأخيرة". هذه المدرسة مخصصة للطلاب الذين واجهوا صعوبات سلوكية واجتماعية، ويجدون أنفسهم على حافة الانحراف.

يجد ستيف نفسه في مواجهة أزمة مزدوجة:

1.   الضغوط المؤسسية: يقاتل للحفاظ على المدرسة مفتوحة في ظل ضغوط مالية ومؤسسية هائلة تهدد بإغلاقها، خاصة مع زيارة وفد حكومي وطاقم تلفزيوني يسعى لتصوير وثائقي حول جدوى استمرار المؤسسة.

2.   الصراع الداخلي: يصارع ستيف خفيةً مع تدهور صحته العقلية وإدمانه على الكحول والمسكنات، متأثراً بحادث قديم.

يتشابك مصير ستيف مع أحد طلابه الأكثر اضطراباً، وهو فتى مراهق يدعى شاي (Shy)، الذي يصارع بدوره ماضيه المؤلم ونزعاته المدمرة. يرى ستيف انعكاساً لجزء من ألمه الداخلي في هذا الطالب، ويصبح مصير شاي مرتبطاً بقدرة ستيف على الصمود وإيجاد معنى وهدف في حياته.

لقد تعرض شاي للكثير من الإحباطات في حياته، وتخلت عنه أمه بعد يأسها من إصلاحه..

وهو في كل مرة يواجه احباطًا جديدًا ويعاني من الألم، يراكم الحجارة في حقيبة ظهر، وعندما امتلأت حقيبة ظهره عن أخرها فقرر أن ينزل بها إلى قاع البحيرة، منهيًا حياته.

ولكنه عاد في اللحظة الأخيرة ليلقي بكل هذه الحجارة ومعها ما يعاني منه من ألم وإحباط على نوافذ الإصلاحية. 

شاهد الإعلان 

المواضيع الرئيسية: التعاطف في زمن الفوضى

الفيلم مقتبس من رواية "شاي" (Shy) للكاتب ماكس بورتر، الذي قام أيضاً بكتابة سيناريو الفيلم. ويقدم "ستيف" معالجة قوية لعدة مواضيع حساسة:

  • الصحة العقلية والإدمان: يقدّم مورفي أداءً صادقاً كمدير يعيش على حافة الانهيار، مسلطاً الضوء على الرهبة الحقيقية للإدمان والضريبة العاطفية التي يدفعها الأفراد الذين يكرسون حياتهم للآخرين.
  • قوة التعاطف: الفيلم هو عمل راديكالي في إظهار التعاطف. فرغم الفوضى المستمرة في المدرسة، يواجه ستيف وزملاؤه صراعات الطلاب بعمق وإيمان بأن رؤية الفرد والاعتراف بألمه يمكن أن يكون بحد ذاته عملاً إنقاذياً.
  • المراهقون المضطربون: يتناول الفيلم قضايا الغضب المكبوت والصدمات التي يعاني منها الشباب المهمشون، والذين يراهم المجتمع "نفايات"، بينما يرى فيهم ستيف إمكانات غير مستغلة.

طاقم العمل والإنتاج

يجمع الفيلم كيليان مورفي مجدداً مع المخرج تيم ميلانتس، بعد عملهما السابق في "أشياء صغيرة كهذه" (Small Things Like These). ويتميز العمل بمجموعة قوية من الممثلين الداعمين:

  • كيليان مورفي في دور المدير "ستيف".
  • تريسي أولمان في دور النائبة "أماندا".
  • جاي لايكورغو في دور الطالب المضطرب "شاي".
  • إميلي واتسون في دور المستشارة.

تجدر الإشارة إلى أن الفيلم من إنتاج شركة Big Things Films، وهي شركة إنتاج أسسها كيليان مورفي وشريكه آلان مولوني، مما يؤكد على شغفه الشخصي والتزامه تجاه هذه القصة الإنسانية المعقدة.

الأداء والإشادة النقدية

حظي الفيلم بإشادة واسعة من النقاد، وتم التركيز بشكل خاص على أداء كيليان مورفي، حيث وُصف بأنه "أداء استثنائي" و"ماجستير في التمثيل الواقعي"، إذ نجح مورفي في تجسيد مزيج من القوة والهشاشة في شخصية المدير الذي يحترق ببطء بسبب إيمانه الشديد بطلابه.

"ستيف" هو فيلم يترك انطباعاً عميقاً، ويطرح أسئلة جوهرية حول المسؤولية المجتمعية والحدود الشخصية التي يمكن للمعلم أن يتجاوزها لإنقاذ تلاميذه، بل ولإنقاذ نفسه. إنه دعوة للتأمل في تكلفة التعاطف في عالم اعتاد على التخلي عن الضعفاء.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق