منصة روبلوكس هي منصة عالم افتراضي ضخمة تتيح للمستخدمين، وخاصة الأطفال والمراهقين، إنشاء تجاربهم وألعابهم الخاصة ومشاركتها مع ملايين اللاعبين الآخرين حول العالم.
يتميز النظام بسهولة الاستخدام، ويوفر أدوات مثل "Roblox Studio" لتصميم الألعاب دون الحاجة لخبرة برمجية عميقة.
يمكن للاعبين تخصيص "الأفاتار" (الشخصية الرمزية) الخاصة بهم واستكشاف مجموعة لا حصر لها من الألعاب والتجارب المتنوعة.
التسبب في إيذاء أو انتحار بعض المراهقين
واجهت المنصة اتهامات ومخاوف جدية أدت إلى رفع دعاوى قضائية وفرض قيود عليها في بعض الدول. تعود هذه المخاطر إلى عدة عوامل، أبرزها:
الاستغلال والتحرش عبر الإنترنت:
المنصة تتيح التواصل المباشر (الدردشة) بين المستخدمين، مما يفتح الباب أمام الغرباء والبالغين ذوي النوايا السيئة (المتحرشين أو المستغلين) للتواصل مع الأطفال والمراهقين.
وقد ظهرت تقارير وحالات قضائية، كما في الولايات المتحدة، تفيد بتعرض مراهقين للاستغلال من قبل بالغين تعرفوا عليهم عبر المنصة، مما أدى في بعض الحالات إلى انتحار الضحية.
بعض التقارير تشير إلى استخدام المنصة من قبل المتحرشين للوصول إلى القُصّر ومشاركة ،محتوى غير لائق، أو ابتزازهم.
المحتوى غير المراقب والعنف:
كون المنصة تعتمد على ،المحتوى الذي ينشئه المستخدمون (User-Generated Content)، فإنها تحتوي على عوالم وتجارب غير خاضعة لرقابة كاملة، قد تتضمن ،إيحاءات جنسية، رسائل عنف، أو سلوكيات غير مناسبة، للأطفال والمراهقين.
في إحدى الحوادث المروعة التي أثيرت في العراق، تم إلقاء القبض على مراهق تسبب في انتحار عدد من الضحايا المراهقين والأطفال عبر المنصة.
الإدمان والمشاكل النفسية والمالية:
الانغماس المفرط، في العوالم الافتراضية يمكن أن يؤدي إلى ،عزلة اجتماعية، وتراجع دراسي، واضطرابات نفسية، مثل القلق والاكتئاب.
احتواء اللعبة على عملة افتراضية "Robux" تُشترى بالمال الحقيقي، يجعل الأطفال عرضة لعمليات النصب والاحتيال، أو الإدمان المالي.
وقد اتخذت دول عديدة إجراءات حيال ذلك، مثل حظر اللعبة بشكل كامل (كما في العراق وقطر سابقاً)، أو فرض قيود على خاصية الدردشة والمحادثات لتعزيز الرقابة وحماية الأطفال (كما في السعودية والإمارات والأردن).
ملاحظة هامة:
في مثل هذه الحالات، لا تكون المنصة هي السبب المباشر الوحيد للانتحار، بل هي بيئة تسمح بوقوع ،الاستغلال الإلكتروني والابتزاز والتحرش،، وهي العوامل التي قد تدفع المراهقين المتأثرين والمستضعفين إلى إيذاء أنفسهم.
فيلم "اللاعب الأول مستعد (Ready Player One) والمخاطر المشابهة لروبلوكس
:
العالم المدمر والهروب منه:
تدور أحداث الفيلم في عام 2045، حيث يعيش الناس في مدن مكتظة وفقيرة (خاصة في أكوام المنازل المتراكمة). لقد ،تجاوز البشر مشاكل الواقع بدلاً من حلها،، وهربوا إلى برنامج الواقع الافتراضي الشامل والمفتوح المسمى "أويسس" (OASIS).
الإدمان والهروب من الواقع:
يظهر الفيلم كيف يقضي معظم البشر، وخاصة المراهقين، كل أوقاتهم، تقريباً داخل "أويسس" هرباً من كآبة العالم الحقيقي، حيث يمكنهم أن يكونوا أي شيء يتخيلونه.
هذا يجسد فكرة الإفراط في الانغماس والإدمان على العوالم الافتراضية، وهي إحدى المخاطر الكبرى المرتبطة بمنصات مثل روبلوكس.
الاستغلال التجاري والتهديد الحقيقي:
الصراع الرئيسي في الفيلم يدور حول شركة شريرة تسعى للسيطرة الكاملة على "أويسس"، لجعلها منصة إعلانية ربحية بشكل مفرط (ما يذكر بالاستغلال المالي في الألعاب).
كما يمتد الصراع من العالم الافتراضي إلى تهديدات ومخاطر حقيقية في العالم الواقعي، حيث يتم تدمير منزل البطل ومحاولة قتله، مما يربط بشكل مباشر بين المخاطر الافتراضية والإيذاء الحقيقي.
لذا، فإن "اللاعب الأول مستعد" هو النموذج المثالي لقصة تدور حول مجتمع يهرب بشكل جماعي من عالم مدمر إلى واقع افتراضي كبديل للحياة، ويواجه فيه مخاطر اجتماعية ووجودية.
لماذا تفتح العالم الافتراضية شهية المتنمرين؟
الشعور بالقوة والسيطرة, "البيئة الافتراضية تمنح المتنمر شعوراً بالقوة والسلطة على حياة شخص آخر، وهو شعور قد يفتقده في حياته الواقعية. رؤية ردود فعل الضحية ومعاناتها يؤكد للمتنمر أنه ""مسيطر"" وقادر على إلحاق الأذى."
تعويض النقص وانعدام الأمن,"غالباً ما يكون المتنمرون أنفسهم أشخاصاً يعانون من تدني احترام الذات أو القلق أو مشاعر العار. إهانة الآخرين والتقليل من شأنهم يرفع من ""صورة الذات"" المتدنية لديهم مؤقتاً، ويجعلهم يشعرون بالتفوق الزائف."
الإشباع السادي (في الحالات القصوى), أي في الحالات التي يتم فيها دفع الضحية للانتحار، قد يكون الدافع هو السادية، وهي الاستمتاع بإلحاق الألم والمعاناة بالآخرين. في الإنترنت، تُزيل الهوية المخفية (الاسم المستعار/الأفاتار) الحاجز الأخلاقي وتزيد من الجرأة على إلحاق الأذى الشديد.
جلب الانتباه والقبول الاجتماعي (من مجموعة المتنمرين),"قد يتنمر الشخص لإظهار ""القوة"" أو ""الصلابة"" أمام مجموعة من أقرانه المتنمرين. يصبح التنمر وسيلة لكسب الاعتراف والقبول داخل هذه المجموعة السلبية، أو طريقة لجعلهم يتابعونه."
التعبير عن الغضب والإحباط (التنفيس), يستخدم البعض التنمر كمنفذ لإسقاط الغضب والإحباط المتراكم لديهم بسبب مشاكل شخصية أو عائلية (مثل التعرض لسوء المعاملة).
الملل والرغبة في الإثارة,"في بعض الحالات، وخاصة بين المراهقين، يمكن أن يكون الدافع سطحياً وبسيطاً وهو الملل والرغبة في ""المزاح القاسي"" أو ""جلب الإثارة"" دون إدراك أو اكتراث للعواقب الوخيمة."
الاضطرابات والمشكلات النفسية
اضطراب الشخصية النرجسية (NPD) يتميز المتنمر بشعور عظيم بالأهمية الذاتية والحاجة المفرطة للإعجاب، ونقص التعاطف مع الآخرين. التنمر يخدم حاجته للشعور بالتفوق والتحكم.
اضطراب السلوك (Conduct Disorder), وهو اضطراب يتميز بنمط متكرر ومستمر من السلوك الذي ينتهك حقوق الآخرين الأساسية أو القواعد الاجتماعية. السلوكيات العدوانية (مثل إلحاق الأذى المتعمد) هي سمة أساسية.
اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (Antisocial PD),في الحالات القصوى، قد يكون المتنمر شخصاً يفتقر إلى الضمير والتعاطف، وغير قادر على الشعور بالذنب، ويستمتع باستغلال الآخرين وإيذائهم لتحقيق أهدافه الشخصية.
نقص التعاطف (Lack of Empathy),"في البيئات الافتراضية، يسهل على الشخص تجريد الضحية من إنسانيتها (Dehumanization) بسبب غياب التفاعل وجهاً لوجه. هذا الغياب يجعل من السهل على المتنمر، الذي لديه أصلاً تعاطف محدود، أن يرى أفعاله مجرد ""لعبة"" أو ""مزحة"" دون إدراك عمق الألم الذي يسببه."
الاكتئاب والقلق غير المعالج, بعض المتنمرين هم ضحايا في السابق أو يعانون من اكتئاب أو قلق لم يتم علاجه. قد يستخدمون التنمر كآلية دفاعية أو وسيلة لإلهاء أنفسهم عن ألمهم الشخصي.
وفي النهاية يجب ان نعلم أن العوالم الافتراضية مكان غير أمن وأن نتابع الأطفال والمراهقين ونمنحهم الفرصة للتعبير عن افسهم والشعور بأننا سند لهم في كل الأحوال، حتى لا يقعوا ضحية للمتنمرين والمتلاعبين بالعقول.


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق