الخميس، 29 سبتمبر 2022

هل يمكنك أن تثق بالناس مجددًا وكيف تعالج رهاب الثقة أو بستانثروفوبيا ؟

 



يتعرض الإنسان خلال حياته للعديد من الخيانات والإحباطات فالكثير ممن يعرفهم قد يغدر به أو يتخلّى عنه أو يخلف عهوده، أو يسيء إليه بدرجة لا يمكنه تجاوزها أو غفرانها، ويتراكم رصيد الإنسان من هذه الخبرات المؤسفة كلما تقدم به العمر حتى يمسي غير قادرًا على الوثوق بأي شخص مهما كان ويعاني مما يعرف برهاب الثقة أو بستانثروفوبيا pistanthrophobia.

رهاب الثقة أو بستانثروفوبيا

رهاب الثقة أو بستانثروفوبيا pistanthrophobia هو نوع من إضطرابات القلق يجعل الإنسان في خوف دائم من التعرض للخداع أو الأذى من الأخرين حتى ولو لم يكن هناك أسباب منطقية لهذا الاعتقاد.

إن إنعدام الثقة بالأخرين ربما يبقيك أمنًا من الخيانات ويبعد عنك الكثير من الأذى ولكنه على الجانب الأخر سيؤثر على حالتك النفسية وعلى علاقاتك بالأخرين تأثيرًا سلبيًا وسيجلب لك العزلة والشكوك.

لماذا يفقد الإنسان الثقة في البشرية وكيف يستعيد هذه الثقة ؟

إن المسألة تبدأ مع تفتح عين الإنسان على الحياة وتعامله مع المحيطين به، وتعتمد بشكل كامل على الخبرات المكتسبة من خلال هذا التعامل، فلو كنت تعيش في بيئة تسمح لك بالوثوق في المحيطين بك، سيترجم عقلك ذلك إلى انفتاح على الأخر وثقة بالناس إلى أن يصدر منهم ما يمكنه أن يزعزع تلك الثقة ويبقى الأمر مجرد حادثة فردية يمكنك تجاوزها.

أما إذا نشأت في بيئة غير جديرة بالثقة، يخون من فيها بعضهم البعض، ويؤذون بعضهم البعض ويتسببون لبعضهم في الألم ويدبرون المكائد والمصائد لبعضهم البعض، فكيف يمكنك أن تثق هنا بأي أحد أو حتى بالعالم المحيط!!!

ستنشأ في هذه الحالة منغلقًا على ذاتك، وربما اكتسبت هذه العادات السيئة من استباحة الغدر والنكص بالعهود والوعود، وقد تصبح أنت نفسك غير مؤتمن وغير جدير بالثقة.

وفي بعض الحالات يتعرض الإنسان لانتكاسة مؤلمة في حياته وبعد أن يعيش نصف عمره منفتحًا على الناس متجاوبًا معهم، يجد منهم الجحود والنكران والخداع، ويكتشف أن كل ما كان يربطهم به مجرد مصالح يحصلون عليها من خلاله، وأن هذه الابتسامات التي تغمر وجوههم عند رؤيته ما هي إلا إنقباض عضلي يصنعه أقنعة بالغة المرونة تغطي قبح نواياههم، يتحكمون فيها كما يشاؤون ولا تعبر عما يجول حقًا في صدورهم تجاهك، وأن كلامهم المعسول عن المحبة والثقة والدعم ما هو إلا زيف يقصد منه أن تبقى أنت تعطيهم بلا مقابل فإذا احتجت يومًا ما لدعمهم أغلقوا في وجهك الأبواب وربما كانوا السبب الأبرز والأكثر تأثيرًا في تحطيمك والإساءة إليك.

إن مثل هذه التجارب تجعلك تشعر بأنك وحدك، وتفقدك الثقة بالناس والإنسانية بوجه عام، وتجعلك غير قادر على التعامل معهم مرة أخرى بنفس القلب المفتوح، أو التعاطف مع آلامهم وأحزانهم كما كنت تفعل دائمًا، فمن الذي تعاطف معك في محنتك وكل من حولك لم يمانع في أن يحصل على مصلحته الخاصة على أشلائك؟

إن مثل هذه التجارب يتردد أصدائها بداخلك فتظل تقول لنفسك أنك إذا أحببت شخص ما فإنه سيستغل محبتك استغلالًا سيئًا، وأن الثقة غباء عليك التخلص منه فالكل سيخونك في نهاية المطاف ويخدعك مستغلًا ثقتك به.

ثق بنفسك وبقدرتك على الحكم على الأمور

إن القول بأن الناس مختلفون وأن عليك الثقة بالناس سيكون من السخف في هذه الحالات، ولكن عليك أن تثق أنت بنفسك وبقدرتك على الحكم على الأمور من خلال كل ما مررت به من تجارب، وأن تكون ثقتك بالأخرين ثقة مبصرة وليست ثقة عمياء وأن تحسب أفعالهم ولا تعتمد على ما يقولونه لك من كلمات فما أكذب اللسان وما أصدق الأفعال.

خطوات لاستعادة الثقة بالحياة والناس


 

إن استعادة الثقة بالأخرين أمر يحتاج منك للكثير من العمل على ذاتك وعلى نمط حياتك، وذلك من خلال ثقتك بذاتك ومحاولة علاج مشاكلك بحكمة ووعي ويمكن أيضًا لهذه الخطوات أن تساعدك على ذلك.

لا تهرب من مشاكلك

عندما يتعرض الإنسان للخيانات المتكررة ويفقد ثقته بالناس ربما يجد في السفر والانتقال وسيلة مريحة للابتعاد عن الناس وقطع الروابط بهم، ولكن عليك أن تستقر وأن تحافظ على جذورك فهي ما يمدك بالقوة ويجعلك قادرًا على بناء علاقات أكثر قوة فيما بعد وذلك بعد استبعاد الأشخاص الذين يسببون لك الضرر من حياتك.

إصنع لنفسك روتين حياة يومي مريح

يمكنك الالتحاق بصفوف لتعليم اللغات أو الحياكة أو اليوجا أو تمارس رياضة محببة وأن تتعامل مع أشخاص لديهم نفس الاهتمامات وتحاول البقاء معهم بصفة دورية فربما أدى ذلك لصنع روابط حقيقية لا يوجد فيها استغلال أو خيانات.

لا تفرط في العطاء

عليك أن تختبر الناس بحرص شديد حتى لا تعيد أخطائك، إعطي بحرص وانتظر رد فعلهم إحكي لهم بعض الأشياء عن نفسك ولا يجب أن تكون هذه الأشياء عميقة أو سرية وانظر كيف سيتلقى هؤلاء ذلك.

يمكنك أيضًا أن تطلب منهم أمورًا بسيطة وتنتظر رد فعلهم.. هل سيهتمون لك؟ هل سيعطونك جزء من وقتهم أو جهدهم عن طيب خاطر؟

إن هذه هي أولى خطوات الثقة أن يهتم الإنسان لغيره ويحصل منه على اهتمام متبادل، وأن يكون لديه القدرة على العطاء والأخذ بشكل متوازن، وغير ذلك تكون العلاقات غير سوية وغير عادلة.

خطط لمستقبلك ولا تفقد الثقة بما هو آت

إن التعرض لصدمات الخيانة والخداع لا يفقدك فقط ثقتك بنفسك وبمن حولك، ولكنه يفقدك ثقتك بكل ما هو آت ويشعرك باليأس من أن تتحسن الأمور في يومٍ ما وكأنه لا أمل في المستقبل ولا ضوء في نهاية النفق.

لا تستسلم لهذه الخدعة وقف على قدميك وخطط لمستقبلك ولو بقى لك في الحياة يوم واحد لا تستسلم للخواطر التي تقول لك أنك ستموت أو أن حياتك المهنية قد انتهت أو أنه لا أمل يرجى لك في صنع علاقات طبيعية مفيدة مع الأخرين.

تعلم المحبة والثقة من حيوانك الأليف

إن وجود حيوان أليف في حياتك يعلمك الكثير من الأمور حول المحبة والتعاطف والتفهم والصبر والمسؤولية، ويعيطك الأمل في الغد، ويجعل لديك شئ ما تعيش من أجله، فهذا الكائن الرائع يعتمد عليك ويثق فيك ويحبك بالفعل، وليس عليك أن تتخلى عنه أو تخذله.

لا تهمل مشاعرك وثق بحكمك على الأمور

إن الكثير من الناس عندما يرغبون في تجاوز أزمة الثقة يهملون العلامات الواضحة في علاقاتهم مع أزواجهم أو أفراد الأسرة أو الأصدقاء، ولكن ليس من الحكمة أن تفعل ذلك لأن أي خيانة جديدة ستجعل جهودك تتراجع سنوات ضوئية وتزيد من الشروخ النفسية التي تعاني منها بأعماقك، وربما لا يمكنك عند ذلك علاج نفسك.

عندما ترى الضوء الأحمر توقف وفكر وناقش وحاول أن تفهم، ولا تبقي أي إنسان غير جدير بالثقة في حياتك، فنحن لا نعيش حياتنا غير مرة واحدة وليس علينا أن نتعايش مع منافقين أو حاقدين أو خائنين لثقتنا.

نمي في نفسك احترام الذات وقل لنفسك بأنك تستحق أن تحيط نفسك بأشخاص تثق بهم ويبادلونك المحبة والثقة.

 

 

السبت، 17 سبتمبر 2022

الغنوصية .. المعارف الروحية الخالصة

 



الغنوصية هي مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي اندمجت في نهايات القرن الأول الميلادي والتي تأثرت بالديانتين المسيحية واليهودية، وهي تعتمد على المعارف الروحية الخالصة، وتعلي من شأنها فوق التعاليم الدينية وما تبثه المؤسسات الدينية من قوانين وواجبات.

ويعتبر الغنوصيون أن الكون نشأ معيبًا بتأثير الشيطان وأن هناك إله علوي وخفي هو المسؤول عن خلق الكون وما به من موجودات قبل أن يفسدها الشر، ويعتبر هؤلاء أن خلاصهم يكمن في معرفتهم العميقة بالذات العليا الخيرة من خلال البصيرة الصوفية أو المعارف الباطنية، ونصوص الغنوصية لا تلقي بالًا للخطيئة والتوبة ولكنها مرتبطة بالوهم والتنوير.

نشأة الغنوصية

انتشرت الكتابات الغنوصية ضمن حوض البحر المتوسط في القرن الثاني الميلادي، ورفضتها الكنائس القديمة باعتبارها بدعة، وعملت الكنائس على تدمير هذه الكتابات حتى لم يصل إلينا غير القليل منها، ومع ذلك فقد اعتبر الغنوصيون الأوائل أن تعاليمهم تتفق مع المسيحية ومنهم "فالنتينوس" الذي كان من المعلمين الأوائل لهذا المعتقد.

لقد اعتبر هؤلاء أن المسيح هو كائن سماوي اتخذ شكلًا بشريًا من أجل دفع الناس للاعتراف بالذات العليا، وانتشرت هذه المعتقدات في بلاد فارس ومنها إلى الصين، حيث نشأت الحركة المانوية، التي تعد الديانة الغنوصية الوحيدة المتبقية على الأرض.

نصوص نجع حمادي بمصر

لقد تجدد الاهتمام بالغنوصية بعد اكتشاف نصوص نجع حمادي عام 1945 والتي تضم إنجيل توماس وأبوكريفون ويوحنا، وكلها كتابات متأثرة بالزرادشتية والأفلاطونية والهلنستية، ما أثار حيرة العلماء حول إمكانية اعتبار الغنوصية جزء من الديانة المسيحية.

معنى كلمة الغنوصية في علم أصول الكلمات

تعني الغنوصية المعرفة القائمة على الخبرات الشخصية، والمعارف الباطنية أو الصوفية الناجمة عن التواصل الروحي مع الذات العليا، وهي نوعية المعرفة التي كان يشجع عليها أفلاطون.

الغنوصية المسيحية واليهودية

يتفق المؤرخون على أن نشأة الغنوصية كانت من الديانتين المسيحية واليهودية، ولقد تم تعريف الكثير من أباء الغنوصية الأوائل على أنهم يهود مسيحيون، وهناك الكثير من الكلمات العبرية المستخدمة في كتاباتهم.

الغنوصية الفارسية

تأثرت الغنوصية بالفارسية، وكانت حلقة وصل بين بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين، وتجلت الغنوصية في الديانة الزرادشتية، وعرفت بالغنوصية المندائية، حيث يتصل المندائيون تاريخيًا بتلاميذ يوحنا المعمدان.

البوذية والغنوصية

هناك تشابه لا يمكن إنكاره بين تعاليم البوذية والغنوصية على الرغم من صعوبة إثبات أن البوذية تأثرت بالغنوصية ولكن يظل الأمر مجرد احتمال وارد الحوث.

معتقدات الغنوصية

يعتقد الغنوصيون أن الإله الأعلى ينبثق منه كائنات سامية تسقط في العالم المادي وتعود إلى مصدرها الإلهي عندما يبلغ الإنسان المعرفة الباطنية ويكون قادرًا على التواصل مع الذات العليا.

وتقترح الأنظمة الغنوصية وجود ثنائية الخير والشر أو الإله والشيطان، وبينما تعتبر المانوية أن القوتين متساويتين تعتبر الغنوصية الكلاسيكية أن الإله أكثر قوة وأعلى شانًا، أما الغنوصية الفالنتينية فلا تقبل بهذه الازدواجية ولا تعترف إلا بإله واحد كلي القدرة.

موناد

الموناد في الغنوصية هو الإله الأوحد، وهو المصدر الموجود في الملأ الأعلى حيث النور، والإسم مستوحى من أفكار فيثاغورث الذي اعتبر أن الموناد هو أول وجود في الكون ومنه انبثقت كافة الموجودات.

المعارف السرية

في القرن الثاني الميلادي تعددت وجهات النظر المسيحية وانتشرت الجماعات بأفكارها المتعددة ومنها تلك الجماعة التي ادعت أن لديها معارف سرية حول طبيعة الكون والمسيح وما يعنيه ظهوره على الأرض، ولقد تلقت الكنيسة الرسمية أفكار هذه الجماعة بالرفض وكتبت مجلدات في نقد أفكارهم.

ولقد تم اعتبار أفكارهم بمثابة بدعة وأنهم زنادقة، بينما ظل الطرفان يعتقدان أن مفهومهما هو الصحيح في الدين والعقيدة.

ويقول الغنوصيون أن تعاليمهم تأتي مباشرة من السيد المسيح وذلك من خلال الصفوة من تلامذته الذين خصهم بتعاليم سرية، وهم يعتقدون أن يسوع لم يتجسد في جسد مادي وإنما أعطى فقط هذا المظهر من أجل أن يتواصل بشكل أفضل مع البشرية.

السيطرة على الجسد

مارس الغنوصيون السيطرة الكاملة على الجسد فمن هنا يأتي تحررهم، ولقد مارسوا الرهبنة وامتنعوا عن الزواج، فهم بذلك يمنعوا المزيد من الشرارات الإلهية من أن تعلق بالجسد المادي، ولقد استخدم هؤلاء القصة من أجل استنتاج العبر وأخذ الأحكام حتى ولو كانت معانيها خافية على الإنسان العادي.

تحليل نصوص نجع حمادي

هي عبارة عن 13 كتابا وجدت بمحض الصدفة أثناء التنقيب عن النترات في الصحراء، ولقد تم جمعها في مجلد واحد هي تتكون من تعاليم المسيح التي تبين حقيقة الوجود الإلهي.

وأهم هذه الكتب هي:

-         إنجيل الحقيقة

-         إنجيل توماس

-         إنجيل فيليب

-         إنجيل يهوذا

وتشترك الغنوصية مع الديانات الفارسية القديمة ومفاهيم الهندوسية والبوذية في إعطاء الإنسان طبيعة ثنائية من مادة وروح، وبينما يعمل الجسد مع الروح بتناغم في الديانات الفارسية، يتعارض عمل الإثنان في الغنوصية، ولقد تناولت العديد من الأفلام الحديثة هذه المفاهيم ومن ضمنها فيلم المصفوفة الذي بين الفارق ما بين الطبيعة الحالمة التي يعيشها أغلب الناس والوجود الحقيقي الذي لا يفطن له إلا الصفوة.