الغنوصية .. المعارف الروحية الخالصة

 



الغنوصية هي مجموعة من الأفكار والمعتقدات التي اندمجت في نهايات القرن الأول الميلادي والتي تأثرت بالديانتين المسيحية واليهودية، وهي تعتمد على المعارف الروحية الخالصة، وتعلي من شأنها فوق التعاليم الدينية وما تبثه المؤسسات الدينية من قوانين وواجبات.

ويعتبر الغنوصيون أن الكون نشأ معيبًا بتأثير الشيطان وأن هناك إله علوي وخفي هو المسؤول عن خلق الكون وما به من موجودات قبل أن يفسدها الشر، ويعتبر هؤلاء أن خلاصهم يكمن في معرفتهم العميقة بالذات العليا الخيرة من خلال البصيرة الصوفية أو المعارف الباطنية، ونصوص الغنوصية لا تلقي بالًا للخطيئة والتوبة ولكنها مرتبطة بالوهم والتنوير.

نشأة الغنوصية

انتشرت الكتابات الغنوصية ضمن حوض البحر المتوسط في القرن الثاني الميلادي، ورفضتها الكنائس القديمة باعتبارها بدعة، وعملت الكنائس على تدمير هذه الكتابات حتى لم يصل إلينا غير القليل منها، ومع ذلك فقد اعتبر الغنوصيون الأوائل أن تعاليمهم تتفق مع المسيحية ومنهم "فالنتينوس" الذي كان من المعلمين الأوائل لهذا المعتقد.

لقد اعتبر هؤلاء أن المسيح هو كائن سماوي اتخذ شكلًا بشريًا من أجل دفع الناس للاعتراف بالذات العليا، وانتشرت هذه المعتقدات في بلاد فارس ومنها إلى الصين، حيث نشأت الحركة المانوية، التي تعد الديانة الغنوصية الوحيدة المتبقية على الأرض.

نصوص نجع حمادي بمصر

لقد تجدد الاهتمام بالغنوصية بعد اكتشاف نصوص نجع حمادي عام 1945 والتي تضم إنجيل توماس وأبوكريفون ويوحنا، وكلها كتابات متأثرة بالزرادشتية والأفلاطونية والهلنستية، ما أثار حيرة العلماء حول إمكانية اعتبار الغنوصية جزء من الديانة المسيحية.

معنى كلمة الغنوصية في علم أصول الكلمات

تعني الغنوصية المعرفة القائمة على الخبرات الشخصية، والمعارف الباطنية أو الصوفية الناجمة عن التواصل الروحي مع الذات العليا، وهي نوعية المعرفة التي كان يشجع عليها أفلاطون.

الغنوصية المسيحية واليهودية

يتفق المؤرخون على أن نشأة الغنوصية كانت من الديانتين المسيحية واليهودية، ولقد تم تعريف الكثير من أباء الغنوصية الأوائل على أنهم يهود مسيحيون، وهناك الكثير من الكلمات العبرية المستخدمة في كتاباتهم.

الغنوصية الفارسية

تأثرت الغنوصية بالفارسية، وكانت حلقة وصل بين بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين، وتجلت الغنوصية في الديانة الزرادشتية، وعرفت بالغنوصية المندائية، حيث يتصل المندائيون تاريخيًا بتلاميذ يوحنا المعمدان.

البوذية والغنوصية

هناك تشابه لا يمكن إنكاره بين تعاليم البوذية والغنوصية على الرغم من صعوبة إثبات أن البوذية تأثرت بالغنوصية ولكن يظل الأمر مجرد احتمال وارد الحوث.

معتقدات الغنوصية

يعتقد الغنوصيون أن الإله الأعلى ينبثق منه كائنات سامية تسقط في العالم المادي وتعود إلى مصدرها الإلهي عندما يبلغ الإنسان المعرفة الباطنية ويكون قادرًا على التواصل مع الذات العليا.

وتقترح الأنظمة الغنوصية وجود ثنائية الخير والشر أو الإله والشيطان، وبينما تعتبر المانوية أن القوتين متساويتين تعتبر الغنوصية الكلاسيكية أن الإله أكثر قوة وأعلى شانًا، أما الغنوصية الفالنتينية فلا تقبل بهذه الازدواجية ولا تعترف إلا بإله واحد كلي القدرة.

موناد

الموناد في الغنوصية هو الإله الأوحد، وهو المصدر الموجود في الملأ الأعلى حيث النور، والإسم مستوحى من أفكار فيثاغورث الذي اعتبر أن الموناد هو أول وجود في الكون ومنه انبثقت كافة الموجودات.

المعارف السرية

في القرن الثاني الميلادي تعددت وجهات النظر المسيحية وانتشرت الجماعات بأفكارها المتعددة ومنها تلك الجماعة التي ادعت أن لديها معارف سرية حول طبيعة الكون والمسيح وما يعنيه ظهوره على الأرض، ولقد تلقت الكنيسة الرسمية أفكار هذه الجماعة بالرفض وكتبت مجلدات في نقد أفكارهم.

ولقد تم اعتبار أفكارهم بمثابة بدعة وأنهم زنادقة، بينما ظل الطرفان يعتقدان أن مفهومهما هو الصحيح في الدين والعقيدة.

ويقول الغنوصيون أن تعاليمهم تأتي مباشرة من السيد المسيح وذلك من خلال الصفوة من تلامذته الذين خصهم بتعاليم سرية، وهم يعتقدون أن يسوع لم يتجسد في جسد مادي وإنما أعطى فقط هذا المظهر من أجل أن يتواصل بشكل أفضل مع البشرية.

السيطرة على الجسد

مارس الغنوصيون السيطرة الكاملة على الجسد فمن هنا يأتي تحررهم، ولقد مارسوا الرهبنة وامتنعوا عن الزواج، فهم بذلك يمنعوا المزيد من الشرارات الإلهية من أن تعلق بالجسد المادي، ولقد استخدم هؤلاء القصة من أجل استنتاج العبر وأخذ الأحكام حتى ولو كانت معانيها خافية على الإنسان العادي.

تحليل نصوص نجع حمادي

هي عبارة عن 13 كتابا وجدت بمحض الصدفة أثناء التنقيب عن النترات في الصحراء، ولقد تم جمعها في مجلد واحد هي تتكون من تعاليم المسيح التي تبين حقيقة الوجود الإلهي.

وأهم هذه الكتب هي:

-         إنجيل الحقيقة

-         إنجيل توماس

-         إنجيل فيليب

-         إنجيل يهوذا

وتشترك الغنوصية مع الديانات الفارسية القديمة ومفاهيم الهندوسية والبوذية في إعطاء الإنسان طبيعة ثنائية من مادة وروح، وبينما يعمل الجسد مع الروح بتناغم في الديانات الفارسية، يتعارض عمل الإثنان في الغنوصية، ولقد تناولت العديد من الأفلام الحديثة هذه المفاهيم ومن ضمنها فيلم المصفوفة الذي بين الفارق ما بين الطبيعة الحالمة التي يعيشها أغلب الناس والوجود الحقيقي الذي لا يفطن له إلا الصفوة.

 

 

 

تعليقات