هل يمكنك أن تثق بالناس مجددًا وكيف تعالج رهاب الثقة أو بستانثروفوبيا ؟

 



يتعرض الإنسان خلال حياته للعديد من الخيانات والإحباطات فالكثير ممن يعرفهم قد يغدر به أو يتخلّى عنه أو يخلف عهوده، أو يسيء إليه بدرجة لا يمكنه تجاوزها أو غفرانها، ويتراكم رصيد الإنسان من هذه الخبرات المؤسفة كلما تقدم به العمر حتى يمسي غير قادرًا على الوثوق بأي شخص مهما كان ويعاني مما يعرف برهاب الثقة أو بستانثروفوبيا pistanthrophobia.

رهاب الثقة أو بستانثروفوبيا

رهاب الثقة أو بستانثروفوبيا pistanthrophobia هو نوع من إضطرابات القلق يجعل الإنسان في خوف دائم من التعرض للخداع أو الأذى من الأخرين حتى ولو لم يكن هناك أسباب منطقية لهذا الاعتقاد.

إن إنعدام الثقة بالأخرين ربما يبقيك أمنًا من الخيانات ويبعد عنك الكثير من الأذى ولكنه على الجانب الأخر سيؤثر على حالتك النفسية وعلى علاقاتك بالأخرين تأثيرًا سلبيًا وسيجلب لك العزلة والشكوك.

لماذا يفقد الإنسان الثقة في البشرية وكيف يستعيد هذه الثقة ؟

إن المسألة تبدأ مع تفتح عين الإنسان على الحياة وتعامله مع المحيطين به، وتعتمد بشكل كامل على الخبرات المكتسبة من خلال هذا التعامل، فلو كنت تعيش في بيئة تسمح لك بالوثوق في المحيطين بك، سيترجم عقلك ذلك إلى انفتاح على الأخر وثقة بالناس إلى أن يصدر منهم ما يمكنه أن يزعزع تلك الثقة ويبقى الأمر مجرد حادثة فردية يمكنك تجاوزها.

أما إذا نشأت في بيئة غير جديرة بالثقة، يخون من فيها بعضهم البعض، ويؤذون بعضهم البعض ويتسببون لبعضهم في الألم ويدبرون المكائد والمصائد لبعضهم البعض، فكيف يمكنك أن تثق هنا بأي أحد أو حتى بالعالم المحيط!!!

ستنشأ في هذه الحالة منغلقًا على ذاتك، وربما اكتسبت هذه العادات السيئة من استباحة الغدر والنكص بالعهود والوعود، وقد تصبح أنت نفسك غير مؤتمن وغير جدير بالثقة.

وفي بعض الحالات يتعرض الإنسان لانتكاسة مؤلمة في حياته وبعد أن يعيش نصف عمره منفتحًا على الناس متجاوبًا معهم، يجد منهم الجحود والنكران والخداع، ويكتشف أن كل ما كان يربطهم به مجرد مصالح يحصلون عليها من خلاله، وأن هذه الابتسامات التي تغمر وجوههم عند رؤيته ما هي إلا إنقباض عضلي يصنعه أقنعة بالغة المرونة تغطي قبح نواياههم، يتحكمون فيها كما يشاؤون ولا تعبر عما يجول حقًا في صدورهم تجاهك، وأن كلامهم المعسول عن المحبة والثقة والدعم ما هو إلا زيف يقصد منه أن تبقى أنت تعطيهم بلا مقابل فإذا احتجت يومًا ما لدعمهم أغلقوا في وجهك الأبواب وربما كانوا السبب الأبرز والأكثر تأثيرًا في تحطيمك والإساءة إليك.

إن مثل هذه التجارب تجعلك تشعر بأنك وحدك، وتفقدك الثقة بالناس والإنسانية بوجه عام، وتجعلك غير قادر على التعامل معهم مرة أخرى بنفس القلب المفتوح، أو التعاطف مع آلامهم وأحزانهم كما كنت تفعل دائمًا، فمن الذي تعاطف معك في محنتك وكل من حولك لم يمانع في أن يحصل على مصلحته الخاصة على أشلائك؟

إن مثل هذه التجارب يتردد أصدائها بداخلك فتظل تقول لنفسك أنك إذا أحببت شخص ما فإنه سيستغل محبتك استغلالًا سيئًا، وأن الثقة غباء عليك التخلص منه فالكل سيخونك في نهاية المطاف ويخدعك مستغلًا ثقتك به.

ثق بنفسك وبقدرتك على الحكم على الأمور

إن القول بأن الناس مختلفون وأن عليك الثقة بالناس سيكون من السخف في هذه الحالات، ولكن عليك أن تثق أنت بنفسك وبقدرتك على الحكم على الأمور من خلال كل ما مررت به من تجارب، وأن تكون ثقتك بالأخرين ثقة مبصرة وليست ثقة عمياء وأن تحسب أفعالهم ولا تعتمد على ما يقولونه لك من كلمات فما أكذب اللسان وما أصدق الأفعال.

خطوات لاستعادة الثقة بالحياة والناس


 

إن استعادة الثقة بالأخرين أمر يحتاج منك للكثير من العمل على ذاتك وعلى نمط حياتك، وذلك من خلال ثقتك بذاتك ومحاولة علاج مشاكلك بحكمة ووعي ويمكن أيضًا لهذه الخطوات أن تساعدك على ذلك.

لا تهرب من مشاكلك

عندما يتعرض الإنسان للخيانات المتكررة ويفقد ثقته بالناس ربما يجد في السفر والانتقال وسيلة مريحة للابتعاد عن الناس وقطع الروابط بهم، ولكن عليك أن تستقر وأن تحافظ على جذورك فهي ما يمدك بالقوة ويجعلك قادرًا على بناء علاقات أكثر قوة فيما بعد وذلك بعد استبعاد الأشخاص الذين يسببون لك الضرر من حياتك.

إصنع لنفسك روتين حياة يومي مريح

يمكنك الالتحاق بصفوف لتعليم اللغات أو الحياكة أو اليوجا أو تمارس رياضة محببة وأن تتعامل مع أشخاص لديهم نفس الاهتمامات وتحاول البقاء معهم بصفة دورية فربما أدى ذلك لصنع روابط حقيقية لا يوجد فيها استغلال أو خيانات.

لا تفرط في العطاء

عليك أن تختبر الناس بحرص شديد حتى لا تعيد أخطائك، إعطي بحرص وانتظر رد فعلهم إحكي لهم بعض الأشياء عن نفسك ولا يجب أن تكون هذه الأشياء عميقة أو سرية وانظر كيف سيتلقى هؤلاء ذلك.

يمكنك أيضًا أن تطلب منهم أمورًا بسيطة وتنتظر رد فعلهم.. هل سيهتمون لك؟ هل سيعطونك جزء من وقتهم أو جهدهم عن طيب خاطر؟

إن هذه هي أولى خطوات الثقة أن يهتم الإنسان لغيره ويحصل منه على اهتمام متبادل، وأن يكون لديه القدرة على العطاء والأخذ بشكل متوازن، وغير ذلك تكون العلاقات غير سوية وغير عادلة.

خطط لمستقبلك ولا تفقد الثقة بما هو آت

إن التعرض لصدمات الخيانة والخداع لا يفقدك فقط ثقتك بنفسك وبمن حولك، ولكنه يفقدك ثقتك بكل ما هو آت ويشعرك باليأس من أن تتحسن الأمور في يومٍ ما وكأنه لا أمل في المستقبل ولا ضوء في نهاية النفق.

لا تستسلم لهذه الخدعة وقف على قدميك وخطط لمستقبلك ولو بقى لك في الحياة يوم واحد لا تستسلم للخواطر التي تقول لك أنك ستموت أو أن حياتك المهنية قد انتهت أو أنه لا أمل يرجى لك في صنع علاقات طبيعية مفيدة مع الأخرين.

تعلم المحبة والثقة من حيوانك الأليف

إن وجود حيوان أليف في حياتك يعلمك الكثير من الأمور حول المحبة والتعاطف والتفهم والصبر والمسؤولية، ويعيطك الأمل في الغد، ويجعل لديك شئ ما تعيش من أجله، فهذا الكائن الرائع يعتمد عليك ويثق فيك ويحبك بالفعل، وليس عليك أن تتخلى عنه أو تخذله.

لا تهمل مشاعرك وثق بحكمك على الأمور

إن الكثير من الناس عندما يرغبون في تجاوز أزمة الثقة يهملون العلامات الواضحة في علاقاتهم مع أزواجهم أو أفراد الأسرة أو الأصدقاء، ولكن ليس من الحكمة أن تفعل ذلك لأن أي خيانة جديدة ستجعل جهودك تتراجع سنوات ضوئية وتزيد من الشروخ النفسية التي تعاني منها بأعماقك، وربما لا يمكنك عند ذلك علاج نفسك.

عندما ترى الضوء الأحمر توقف وفكر وناقش وحاول أن تفهم، ولا تبقي أي إنسان غير جدير بالثقة في حياتك، فنحن لا نعيش حياتنا غير مرة واحدة وليس علينا أن نتعايش مع منافقين أو حاقدين أو خائنين لثقتنا.

نمي في نفسك احترام الذات وقل لنفسك بأنك تستحق أن تحيط نفسك بأشخاص تثق بهم ويبادلونك المحبة والثقة.

 

 

تعليقات