الاثنين، 14 أبريل 2025

هل تطبع التجارب القاسية تأثيرها على جيناتك: ما هي الوراثة الإيبيجينية Epigenetics؟

 


نعم، هناك أدلة علمية تشير إلى أن التجارب القاسية يمكن أن تترك بصمات على الجينات وتؤثر على الأجيال اللاحقة من خلال ما يُعرف بـالوراثة الإيبيجينية (Epigenetics). هذه الفكرة لا تعني تغييراً في تسلسل الحمض النووي (DNA) نفسه، بل تعديلات كيميائية تؤثر على كيفية تعبير الجينات (تشغيلها أو إيقافها). دعني أشرح الموضوع بإيجاز مع أمثلة وربط بسياق هيروشيما الذي ناقشناه سابقاً:

ما هي الوراثة الإيبيجينية؟

الإيبيجينيتكس تدرس التغيرات في تعبير الجينات دون تغيير الحمض النووي. هذه التغيرات قد تحدث بسبب عوامل بيئية مثل الإجهاد، الجوع، الصدمات، أو التعرض للسموم.

تشمل التعديلات الإيبيجينية:

الميثيلة (Methylation): إضافة مجموعات كيميائية للحمض النووي تمنع أو تعزز تعبير الجينات.

تعديلات الهيستونات: تغييرات في البروتينات التي يلتف حولها الحمض النووي، مما يؤثر على سهولة الوصول إلى الجينات.

هذه التعديلات يمكن أن تُنقل إلى الأجيال اللاحقة عبر الخلايا التناسلية (الحيوانات المنوية والبويضات).

أمثلة على علم التخلق:

  • تمايز الخلايا: على الرغم من أن جميع خلايا الجسم تحتوي على نفس الحمض النووي، إلا أنها تؤدي وظائف مختلفة. يساعد علم التخلق في تحديد وظيفة كل خلية عن طريق تشغيل وإيقاف جينات معينة. على سبيل المثال، تسمح التغييرات اللاجينية للخلايا العصبية بتشغيل الجينات التي تنتج البروتينات المهمة لوظيفتها، مع إيقاف الجينات المهمة لأنواع الخلايا الأخرى، مثل خلايا القلب.
  • التوائم المتماثلة: على الرغم من أن التوائم المتماثلة تشترك في نفس الحمض النووي، إلا أنها يمكن أن تظهر اختلافات بمرور الوقت في المظهر والشخصية وحتى في خطر الإصابة بالأمراض. يُعتقد أن هذه الاختلافات ناتجة عن اختلافات في أنماطها اللاجينية التي تتراكم بسبب تجارب حياتها المختلفة.
  • تأثيرات البيئة: يمكن لعوامل بيئية مثل النظام الغذائي والتدخين والتعرض للسموم أن تحدث تغييرات لاجينية. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي التدخين إلى تغييرات لاجينية في أجزاء معينة من جين AHRR (المرتبط بالأورام)، حيث يميل المدخنون إلى انخفاض مثيلة الحمض النووي مقارنة بغير المدخنين.
  • التأثيرات عبر الأجيال: هناك أدلة متزايدة على أن بعض التغييرات اللاجينية يمكن أن تنتقل من جيل إلى جيل. على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن الفئران التي تعرضت لضغط في مرحلة مبكرة من حياتها يمكن أن يكون لها ذرية تظهر أيضًا استجابات متغيرة للضغط.

أدلة علمية على انتقال الصدمات

دراسات على الحيوانات:

تجربة شهيرة على الفئران أظهرت أن تعريض الفئران للإجهاد (مثل الصدمات الكهربائية مع رائحة معينة) أدى إلى تغيرات إيبيجينية جعلت أبناءهم وأحفادهم يخافون من تلك الرائحة دون تعرض مباشر لها.

دراسات أخرى وجدت أن نقص الغذاء أو الإجهاد المزمن يغير تعبير جينات مرتبطة بالتمثيل الغذائي أو استجابة الإجهاد لدى الأجيال التالية.

دراسات على البشر:

ناجو الهولوكوست: أظهرت دراسات أن أبناء الناجين من المحرقة لديهم تغيرات إيبيجينية في جينات مرتبطة بالإجهاد (مثل جين FKBP5)، مما قد يجعلهم أكثر عرضة للقلق أو الاكتئاب.

المجاعة الهولندية (1944-1945): الأطفال الذين وُلدوا لأمهات عانين من الجوع أثناء الحرب أظهروا تغيرات إيبيجينية في جينات مرتبطة بالتمثيل الغذائي، مما زاد من مخاطر السمنة وأمراض القلب لديهم.

الإجهاد المزمن: هناك أدلة على أن التعرض للعنف أو الفقر يمكن أن يؤدي إلى تعديلات إيبيجينية تنتقل إلى الأبناء، مما يؤثر على استجابتهم للإجهاد.

سياق هيروشيما وناجازاكي:

لم تُجرَ دراسات مباشرة واسعة النطاق على أحفاد ناجي هيروشيما (الهيباكوشا) تركز على الوراثة الإيبيجينية، لكن هناك أبحاث حول تأثير الإشعاع. 

معظم الدراسات لم تجد تغيرات جينية كبيرة في الحمض النووي نفسه لدى الأجيال اللاحقة.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق