لماذا ترغب الأقليات في الإنفصال؟





بمجرد أن تعبر أقلية إثنية أو عرقية أو دينية عن رغبتها في الإنفصال، تنهال عليها الإتهامات بالخيانة والعمالة ويتحد ضدها الفرقاء، وتساق إليها الجيوش أو يتم محاصرتها إقتصاديا وحتى تذعن مغلوبة على أمرها لضغوط ولا تفكر في الحديث ولو مؤقتا بهذا الشأن.
والحقيقة أن الرغبة في الإنفصال تأتي عادة كنتيجة أو رد فعل وليست هي المشكلة في حد ذاتها وليست هي الفعل، ومن يريدون الإنفصال لا يعلنون ذلك إلا بعد سنوات من إنفصالهم نفسيا عن بلدانهم، فكلما شعرت أقلية بالتمييز ضدها، وبأنها مكروهة ولا تنال ما تستحقه من مميزات تكفلها المواطنة، وكلما شعرت بأنها محاصرة ومضطهدة وينظر إليها باستعلاء، كلما زاد ارتباط أفرادها وسعوا لتأسيس مجتمع صغير لهم يشعرون فيه بالإنتماء والمساواة.
وكون الحكومات تلجأ في مثل هذه الحالات للضغوط العسكرية والإقتصادية لردع هؤلاء عن الإنفصال فهي إنما تؤجل لديهم هذا الفعل ولا تردعه بالكلية، ولا تزيل الفكرة من رؤوس شخوص هذه الأقلية، وعلى العكس تماما فهي تعمق الشرخ الحادث في نسيج الدولة وتزيد من حالة الإحتقان والكراهية المتبادلة.
ويساهم الإعلام الرسمي في تأجيج هذه الكراهية بإلقاء صنوف الإتهامات على الراغبين في الإنفصال والتحدث عنهم على إعتبار أنهم أعداء للدولة ويريدون الإنتقاص من سيادتها وتقويض وحدتها.
ولو كانت الأنظمة تتمتع بشئ من النزاهة والحيادية وترغب فعليا في الإبقاء على وحدة الوطن لبحثت في مشاكل هؤلاء الحالية وفيما لديهم من ترسبات الماضي وتحديات المستقبل لدمجهم في نسيج الدولة على اعتبار أنهم مواطنون وليسو أقلية مضطهدة.
إن أغلب المناطق الراغبة في الإنفصال تتشابه قصصها بشكل يدعو للتأمل والدراسة، فأغلبهم لديهم تاريخ من التهميش والإضطهاد، ومنهم مناطق قصفت في الماضي بالسلاح الكيماوي ولم يبكي عليهم أحد.
وأغلب هذه المناطق تتمتع بثروات طبيعية ضخمة ويساهم انتاجها بصورة كبيرة في الدخل القومي للبلاد، بينما يعاني أبنائها من قلة الفرص وضعف الدخل، بل أن بعضهم يتم استبعاده من كل الوظائف الهامة، أو حتى لا يسمح له بالتجنيد في صفوف الجيش أو العمل في صفوف الشرطة فهم مواطنون من الدرجة الثالثة أو الرابعة!
المدهش أن الجميع يتعامى تماما عن الظروف التي دفعت بهؤلاء للمطالبة بالإنفصال، ويهاجمونهم بكل السبل، فتارة بالتشويه والتقبيح، وتارة بالمزيد من التضييق على حياتهم وأرزاقهم، وتارة أخرى بالسلاح والعمليات العسكرية!
وكأن هذه الحكومات بدلا من أن تحتويهم تصر على إبعادهم وتصنع بينها وبينهم ثأرا لا ينطفئ وتساهم بوعي أو بدون وعي في تحقيق المخططات الاستعمارية بتقسيم بلدان المنطقة وجعلها أجزاء متناحرة فاشلة لا يقوم لها قائمة في القريب العاجل.
القليل من العدل يصلح النفوس ويقيم البلدان، فهو الأساس الذي تقام عليه أي دولة ترغب في البقاء حقا، وتسعى للإزدهار والأمان فعليا، وبدونه لن تقوم لهم قائمة.

تعليقات