لماذا يصبح الرجل الشرقي عنيفًا حيال الرفض؟

 



توالت خلال الأيام الماضية حوادث العنف التي وصلت إلى حد القتل من قبل رجال تجاه نساء يدعون محبتهن، وكل حالة من هذه الحالات أظهرت قدرًا كبيرًا من خلل المفاهيم، ونرجسية مرضية، وخلل مجتمعي كان وراء هذه النظرة المتدهورة من الرجل للمرأة حيث يعتبر أنه متسيد وله أن يفعل ما يشاء، وأن حق الرفض غير مكفول للمرأة التي تعجبه، فهي إما تتدلل، أو أنها تسعى لاستغلاله وتحقيق بعض المكاسب أو أنها مرتبطة بغيره فيبدي ردود أفعال بعيدة كل البعد عن المحبة الطبيعية التي تجعلك تتمنى الخير لمن تحب، وتتحول إلى نرجسية طفولية "إما أن أحصل على هذه اللعبة الجميلة أو سأقوم بتدميرها".

دمار نفسي وجسدي ومعنوي

من خلال ملاحظاتي اليومية وجدت أن الرجال إنما ينظرون للنساء كما ننظر نحن لحيوان أليف، هم لا يعتبرون المرأة إنسان مغاير في الجنس مساو في الإنسانية، وإنما مجرد كائن أدنى تم صنعه من أجل إرضاء الرجال وإنتاج الأطفال، ولو كنا نحن نهتم برأي الحيوان الأليف وندللـه ونقدم له ما يحتاج إليه من غذاء ونظافة ومنزل دافئ، لا يقدم الرجل الشرقي في عصرنا الحديث هذه المزايا للنساء، فعليها أن تعمل وتعول نفسها وأطفالا وتهتم ببيتها، وأن تدين لزوجها بالعرفان والفضل لأنه يبقيها في المنزل ولذلك عليها أن تسمع يوميًا عبارات من نوع "ده بيتي واللي ما يسمعش كلامي يتفضل يمشي منه" أو "الراجل راجل يا هانم" أو "كفاية إني راجل" أو "حقي" أو  "أنا أدرى بمصالح البيت والأولاد" أو "أنتِ ساذجة" ولو كانت تحمل درجات علمية أعلى منه وتفوقه في المستوى الوظيفي والراتب بمراحل.

ولذلك عندما تطلب المرأة الطلاق أو ترفض الارتباط يعتبر الرجل ذلك إهانة شخصية موجهة ضده من كائن أدنى، فتهتز ثقته بنفسه لأبعد حد، ويكون رد فعله عنيفًا للغاية، فمنهم من يشهّر بالمرأة ولو كانت زوجته، ومنهم من يسعى لتخريب مهنتها وغلق سبل العيش في وجهها لو استطاع، ومنهم من يوجه لها السباب أو الضرب، وأخيرًا هؤلاء الذين لم يتوانوا حتى عن ارتكاب أبشع أنواع الجرائم على الإطلاق ألا وهي ... القتل!!!

اقرأ أيضًا: البحث عن الرجولة المفقودة

لماذا يصبح الرجل الشرقي عنيفًا حيال الرفض؟

بحسب الأبحاث والدراسات الحديثة فإن الظروف والسمات التي تنتج الرجل الذي يكون له ردود أفعال عنيفة تجاه الرفض تتمحور حول التالي:

الرجل الشرقي يرفض المساواة  

إنه رجل يرفض المساواة ولا يرى للمرأة أي حقوق إلا تلك التي يتفضل بها عليها، وهو يفضل التمييز الذي يمنحه المجتمع له كرجل فيلوم المرأة على الرفض ولا يتقبل أن تكون غير مهتمة لأمره ورافضة للارتباط به، إن لديه اعتقاد غرسه فيه المجتمع بما يعرف في علم النفس باسم "الاعتقاد بأن الذكورة شرف masculine honor beliefs" وأي نوع من الرفض له يقلل من هذا التميز الذكوري ويمس به.

التربية والنشأة

إن الرجل الشرقي ينشأ من الصغر على أن الذكورة تعطيه مزايا كبيرة ولا تلقي على عاتقه مسؤوليات، فهو يأمر ويتحكم في ملابس أخته وأمه، ومن تحدثان، ومتى تخرجان، وعلي نساء الأسرة خدمته وغسل ملابسه وإطعامه، ودعمه في كل صغيرة وكبيرة، بينما قد يهمل هو حتى دراسته، ولا يحقق فيها التقدم المطلوب.

وفي المقابل إذا ما وقعت أخته أو أمه في مشكلة مالية أو اجتماعية أو غيرها لن يقدم لها الدعم بحجة ضيق اليد، أو بحجة أنه لا يريد مشاكل .. بل أنه في الكثير من الأحيان يدعم زوج شقيقته في الإساءة إليها وظلمها بحجة أنه لا يريد خراب بيتها، وهو لا يريد إلا التملص من واجبه .. فهو سينال منها المال والهدايا بكل سرور وبدون رد ولكنه لن يدعمها في حالة احتاجت إلى مساندة ولن يهتم بحقوقها إذا ما تركها زوجها.

نرجسية

الرجل الشرقي يتمتع بنرجسية تفوق الخيال، فهو يعتقد في نفسه العظمة والعراقة والوسامة والنبوغ لا يختلف في ذلك الوزير من الغفير، ولا الطبيب من حارس العقار، ولا العالم من سائق الميكروباص، فجميعهم عباقرة نابغين وسامتهم وجاذبيتهم لا يمكن لامرأة مقاومتها، وهو يعيش هذه الأوهام بكيانه كله لتصبح بالنسبة له حقائق غير قابلة للنقاش، فإذا رفضت امرأة أن تقيم معه علاقة أو تستمر في علاقتها معه سيكون رد فعله عنيفًا للغاية وسيسيء إليها بأشنع أنواع الإساءة. 

اقرأ أيضًا: تحول من جاني إلى ضحية في ثلاث خطوات

الأعمال الدرامية

إن الأعمال الدرامية هي صورة للواقع وهي أيضًا تؤثر فيه بدرجة ما، ولو تابعنا نوعية الدراما التي يتم تقديمها للعرب فسنجد أنها تصور الرجولة في فرض السيطرة والتحكم وإلغاء إرادة الأخر وبالطبع السيطرة على النساء، ومن العادي جدًا أن نجد البطل المحب للبطلة يقول لها في مقابلة غرامية "لو مسمعتيش الكلام هجيبك من شعرك وأمسح بيكي الأرض" أو "كلامي أنا اللي يمشي يا ****" .

وبالطبع يكون المشاركة في صنع القرار ضعفًا، ومساعدة الزوجة في أعمال المنزل وتربية الأطفال خنوعًا، والاهتمام ببيته عيبًا في الرجولة. لقد تحولت الرجولة لدى الرجل الشرقي من مسؤولية وقيم أخلاقية عليا، لنوع من البلطجة وفرض الرأي بالقوة والاستغلال.

ثنائية التنمر والقهر

إن المجتمع الشرقي إنما يدور في عجلة لا تتوقف من القمع والقمع المضاد والقهر والقهر المضاد والتنمر والتنمر المضاد، ويكاد يكون من الصعب علينا أن نجد فيه علاقات إنسانية طبيعية، أو أشخاص يحتفظون بسلامهم النفسي والعقلي، فالرجل الذي يضطهده مديره في العمل، يخرج طاقة الكبت والقمع على زوجته، التي بدورها تقوم بالتنفيس في صغارها، الذين يقمع بعضهم بعضًا ويقمع قويهم الضعيف في المدرسة، وتستمر دائرة القمع.

وتبقى هذه القيم عالقة في أذهان الشرقيين، فيعتبرون أن القوة والهيمنة تكمن في قمع الأخر وإهانته والسيطرة عليه، وذلك الأخر عادة ما يكون النساء!

مشكلة لدى النساء أيضًا

إن هذا النوع من التربية والأفكار المعادية للنساء تشوه معاني الرجولة لدى الكثير من الفتيات فتعتقد أن الرجل الذي يقمعها ويصرخ في وجهها، ويعاملها كإنسان قاصر خاضع هو فتى أحلامها.. ولكن سرعان ما تذهب السكرة وتأتي الفكرة وتلحق هي بطابور المترددات على محكمة الأسرة.

الحل


 

إن الحل بيدك أنتِ فلا أحد سيعطيكِ حقوقك ما لم تبحثي عنها أنتِ بنفسك..

-          لا تكوني ضعيفة عليكِ أن تمتلكي أسباب القوة من علم ومهنة ومال يمكنه أن يقيكِ الحاجة.

-          لا تجعلي الحب سببًا لإهدار كرامتك أو التخلّي عن حقوقك.

-          تعرفي جيدًا على طريقة تفكير الرجل قبل الارتباط به فإذا كان نرجسيًا أنانيًا فأنتِ في غنىً عما سيحدثه في حياتك من تدمير.

-          لا تسمحي لأحد بأن يخضعك بأي نوع من التنازلات "صور.. خطابات غرامية.. ألخ" وضعي حدودًا صارمة لمن يتقرب منكِ.

-          كوني واثقة من نفسك واعلمي أن الارتباط الفاشل أسوأ من عدم الارتباط على الإطلاق.

نقطة أخيرة

إعلمي أن سلم التنازلات يبدأ بدرجة ولكنه لا نهاية له، وعندما تتنازلين عن حق من حقوقك بأي دعوة، ستفتحين على نفسك باب لا ينغلق من التنازلات وستجدين أنك الطرف الأضعف في العلاقة وأنك مضطرة للتنازل في كل مرة، حتى أن رأيك واعتبارك لن يكون لهما أي تأثير على الإطلاق فيما بعد.

 

 

 

تعليقات