إن معرفة ما ليس لك حقًا، والتخلي عنه وتوفير طاقتك وجهدك ومشاعرك لما يستحق هو أمر لا تصل إليه إلا بالنضوج والوعي والإدراك.
فكم من إنسان ضيع عمره في التمسك بعمل لن يجني منه شيئًا، ولن يحقق له التطور المادي والمهني .
وكم من إنسان ضيّع عمره ووقته في علاقات فاشلة، سوف تنتهي حتمًا بالمزيد من الخسائر وما الوقت هنا إلا عامل يزيد الخسارة.
وكم من عادة تملكت على الإنسان نفسه وحياته فتسببت له في خسائر فادحة، وحتى يتركها مضطرًا أو يموت دون ذلك.
وحتى أن الكثير من الناس يفضلون البقاء في وضع تعيس خوفًا مما يمكن أن يتعرضون له إذا ما فكروا في التغيير.
يقول العالم ألبرت أينشتين:
"إن الأمر يشبه ركوب الدراجة، فعندما تتحرك ستتمكن من حفظ توازنك وتحقق الراحة"
فن التخلي
تذخر الطاوية والبوذية بتعليمات حول التخلي، فعدم التعلق يجعلنا أحرار ويؤهلنا لقبول مصيرنا برباطة جأش.
إن القدرة على التخلي تتطلب قوة ووعي ومرونة وتسامح مع الذات ومع الدنيا واستعداد تام لخوض غمار الحياة وفتح ابواب جديدة.
حتى مشاعر الغضب والاستياء والإحساس المؤلم بالظلم وقسوة الحياة، لا يجب أن نتركها تتآكلنا بلا رحمة.
إن طرد مثل هذه المشاعر هي نوع من المكافئة الذاتية لأنفسنا، واحتفاء بقدراتنا على التجاوز، والنجاة والتحمل.
يقول أميت راي:
" إذا رغبت في التحليق في السماء فعليك أن تترك الأرض، إذا أردت أن تتقدم فعليك أن تتخلى عن الماضي الذي يسحبك لأسفل."
ما هو التخلي؟
التخلي هو عملية روحية تتطلب منك تقليل ارتباطك بالرغبات والتوقعات والقبول بما هو موجود بالفعل.
إن القبول بما هو حادث بالفعل والتكيف مع الوضع والسعي لتحسينه بما لديك من أدوات من الأمور الإيجابية التي عليك تعلمها.
فبدلًا من البكاء على اللبن المسكوب، عليك أن تنظر أمامك وتسير في طريقك متحررًا من مشاعر الندم والخوف ولوم الذات.
إن عدم التخلي نوع من مقاومة الطبيعة، ولن ينجح إنسان حاول الوقوف في وجه مسيرة الكون، فعندما تنضج التفاحة لابد وأن تسقط.
وأنت أيضًا إذا لم تتقبل ما هو كائن وتتحلل من ارتباطك بما لا طائل من وراءه فلن تحصل على نتائج.
إن هذا التحرر يجلب لك السلام النفسي ويكسبك التوازن.
اقرأ أيضًا: كيف تطلق مشاعر الغضب والإحباط بأمان
يقول باولو كويلو:
" أنا لست نادمًا على الصعوبات التي واجهتها؛ لقد جعلوني الشخص الذي أنا عليه الأن، أشعر بما يشعر به المحارب يعد سنوات من التدريب؛ فهو لا يتذكر تفاصيل ما تعلمه، لكنه يعرف كيف يضرب عندما يحين الوقت المناسب."
لماذا يصعب على الإنسان التخلي عن شئ ما؟
يعتبر البوذيون أن التمسك جزء من كوننا بشر، ولكنه السبب الأساسي في معاناتنا.
فعندما نهتم بشيء ما أو شخص ما أو هدف ما فإننا نتعلق به ويكون من الصعب التخلي عنه.
فنحن نرتبط بالماضي، أو بأهداف مستحيلة، أو بعلاقة لا يمكن أن تستمر ، ما يؤدي إلى نتائج عكسية ولا يجلب لنا سوى الحزن والتأخر.
إننا نجد صعوبة في التخلي عن أوجاع الماضي، والآلام التي شعرنا بها، والظلم الذي تعرضنا له، فنضاعف بذلك من تأثيراته السلبية علينا.
يمكننا أيضًا التخلي عن توقعاتنا فيما يخص المجتمع والأسرة فلست مطالب بأن تكون شيئًا لست عليه من أجل أحد.
وكذلك لا تتوقع من شخص ما أن يكون عكس ما تمليه عليه طبيعته، فتتوقع منه ما لا يمكنه أن يعطيه لك فيخيب أملك.
اقرأ أيضًا: قبعات التفكير الستة
فيلم فروزن
هل تذكرون إلسا من فيلم ديزني المعروف باسم “فروزن” لقد حاولات إلسا التأقلم مع المجتمع وكبتت قواها وحتى جائت لحظة الانهيار.
لقد انهارات كل محاولاتها لمعاندة القدر والوقوف في وجه الطبيعة، وحتى انطلقت قواها محطمة كل شئ وأدخلت بلادها في حالة من الشتاء السرمدي.
فوائد التخلي
إن التخلي عما لا جدوى من وراءه يحفظ عليك صحتك النفسية وحالتك الذهنية والعقلية والجسدية أيضًا.
إن عدم التعلق بدراسة معينة على سبيل المثال، والقبول بما هو متاح لك يساعدك على التقدم والنجاح وتحقيق أفضل النتائج.
وعدم التعلق يجعلك أكثر هدوءًا وقبولًا، ويحقق لك الراحة النفسية والرفاهية، ويجلب لك اليقظة الذهنية.
إنه يحميك من مشاعر القلق المتواصل والاكتئاب، ويقيك من القلق المرضي الذي يمكن أن يؤدي للإصابة بالأمراض والأعراض الجسدية الغير مرغوبة.
كيف تتخلى؟
عندما تحب إرتقي بمحبتك، واجعلها شئ جميل يضيف لجمال الحياة، فالتملك والرغبة في الإبقاء على شخص ما في حياتك قصرًا ليس حبًا.
عليك أن تؤمن أن سنة الحياة التغيير والتبديل، وأن نفوس الناس تتغير، وما يوافقك يمكن أن لا يوافقهم.
فإذا كان الطرف الأخر يجد راحته في الانفصال عليك أن تتخلى عن هذه العلاقة وتكمل حياتك وتتسامى على أي مشاعر بالخيبة أو الرغبة في البقاء.
تخلى عن الماضي
لا تبقى أسيرًا للماضي، ولا تركز جل اهتمامك على ما عانيت فيه، أنت تتوق لرد الظلم على من أساء إليك.
أو تبحث عن مشاعر قديمة وذكريات لن تعود أو تبقى أسيرًا لجرح قديم.
إن كل ذلك يستهلكك، ويمنعك من الاستفادة باللحظة الراهنة وينغص عليك عيشك.
حاول أن تشغل نفسك، وتركز على أهداف جديدة، وأن تجد وسائل يمكنها أن تحقق لك السعادة.
إن الشعور بالمرارة والاستياء لن يؤثر على الطرف الذي تسبب لك في الظلم فلا تجعل ظلمه ينالك مرتين.
مرة بالفعل الذي أساء لك به ومرة أخرى باجترار هذا الشعور مرات ومرات وحتى ينغص عليك عيشك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق