عندما كنت أفكر في طبيعة الشيطان، كان الأمر يبدو لي قديمًا أشبه بالفانتازيا، فما هو هذا الكائن الذي مهمته الوحيدة غواية البشر وإيقاعهم في المحظور؟
وكيف يستسلم الإنسان له بكل بساطة وكأنه بلا وعي ولا إرادة؟
لم أكن أشغل نفسي به كثيرًا فالبشر مسؤولون عن أفعالهم وتحميل كائن ما مسؤولية قصورهم وإخفاقاتهم وغيهم وتطاولهم أمر يبدو غير عقلاني.
ولكن مع التقدم في العمر بدأت ألمس هذه المعركة بين الخير والشر، فكلما كان الشر أكثر قوة وأتباعًا..
وكلما توارى الخير وأصبح مقيدًا طريدًا هزيلًا لا يقوى على حماية نفسه حتى..
كلما عاد ذكر الشيطان، وبدا أن قوته تكمن في تخفيه وراء المعاني والشعارات، وفيما لديه من أتباع وحاشية، وخبرة آلاف السنين في تقفي الزلات وتأجيج الشهوات، وتغذية المطامع.
وشعرت أن ذلك الكائن يُمكّن لنفسه في الأرض ويصنع إمبراطوريته على جثث ملايين وربما مليارات الضحايا.
هذا الكائن الذي يبدو أنه يعتاش من دم البشر، ويتغذى من عذاباتهم، ويغذي أتباعه بالمال والنفوذ والمناصب والمتع الدنيوية.
إن حجم ما في العالم اليوم من مرض وجوع وفقر وضحايا الحروب يكاد يفوق ما سمعنا أو قرأنا أو شهدنا عليه يومًا في تاريخ البشر.
لم يخيم الفساد والسواد يومًا على الحياة كما يخيم اليوم، ولم يصبح كل شئ حولنا محاطًا بالشكوك مغلفًا بالأكاذيب ينبعث منه رائحة النوايا السيئة مثلما يحدث اليوم.
لقد باع الكثير من الناس أرواحهم للشيطان وليس مقابل المعارف المطلقة كما فعل فاوست ولا مقابل الشباب الدائم والحياة الأبدية كما فعل دوريان جراي.. ولكن مقابل مبالغ زهيدة ومناصب ضئيلة لا تغني ولا تسمن من جوع.
فاوست
لقد كان فاوست كيميائيًا ألمانيًا ناجحًا، ولكنه كلمة نهل من العلم أراد المزيد، وحتى أنه أراد الحصول على العلم الخالص والمعارف الكونية مهما كلفه ذلك.
لقد كانت العلوم والمعارف هي متعته الوحيدة فباع روحه للشيطان مقابل الحصول عليها وتحقيق الإكتفاء.
وفي ذلك يقول جوته على لسان فاوست:
- مهما كان نصيب البشرية.
- أريد أن أتذوقه داخل أعماق ذاتي.
- أريد الحصول على أعلاه وأدناه.
- أن أحمل ويله ونعيمه.
- إن هذ سيجعل ذاتي أكثر عمقًا وامتدادًا.
- لأهبط بها لأسفل مع الأخرين.
أما عندما ظهر له الشيطان ليمنحه ما أراد فلقد قال لنفسه عندها:
- من يمسك الشيطان فليمسكه جيدًا.
- فمن الصعب أن تمسك به مرة ثانية.
والعبرة في الأبيات التالي:
· "ليس هناك سوى طريقين يؤديان للأهداف الهامة.
· وإلى القيام بأشياء عظيمة: القوة والمثابرة.
· القوة هي من نصيب عدد قليل من الرجال المتميزين؛
· لكن المثابرة الصارمة، القاسية والمستمرة،
· يمكن أن يستخدمها أصغرنا
· ونادرًا ما تفشل في تحقيق هدفها،
· لأن قوتها الصامتة تنمو بشكل لا يقاوم مع مرور الوقت."
ولأن الشر تحكم وأصبح يمتلك مفاتيح القوة، ولأن الأهداف خبيثة ومدمرة، فلم يعد للمثابر مكانًا.
وكما قال لي أحدهم:
- كلما تحملتِ أكثر، كلما زدنا عليكِ الضغوط أكثر، وحتى تنكسري."
صورة دوريان جراي
أما عن رائعة أوسكار وايلد "صورة دوريان جراي" فهو ذلك الرجل الذي أراد أن يحتفظ بشبابه وصورته الاجتماعية الرائعة متوهجة دومًا.
فما كان منه إلا أن باع روحه للشر، وحمّل كل شروره وتغضنات وجهه للوحة مرسومة تحمل ملامحه، بينما ظل هو شابًا مبهرًا لا يبدو عليه أمارات الشرور التي في نفسه، ولا الأفعال الشريرة التي يقوم بها.
وحتى تشوهت اللوحة تمامًا فوضعها في مكان خفي لا يراها فيه أحد.
وعن هذا الكتاب يقول أوسكار وايلد:
- الكتاب الذي يعتبره العالم غير أخلاقي، هو ذلك الذي يعريه ويظهر له عاره."
أما اللوحة فتقول لصاحبها:
- "سوف تكون دائما مولعا بي. إنني أمثل لك كل الذنوب التي لم يكن لديك الشجاعة لارتكابها."
مقتطف من صورة دوريان جراي:
- "ماذا عن الفن؟
- -إنه داء.
- --حب؟
- - وهم.
- --دِين؟
- - البديل العصري للإيمان.
- --أنت متشكك.
- -أبداً! الشك هو بداية الإيمان.
- --ما أنت؟
- -التعريف هو الحد."
اقرأ أيضًا: الفلسفة تعزز من قدرتك على التفكير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق