الخيانة من الكلمات التي لها وقع مؤلم على النفس، وخاصة عندما تصدر من هؤلاء الذين كنا نكن لهم مشاعر طيبة، ولم نقدم لهم سوى كل ما هو جميل.
إنها تجعلنا نقف حائرين متسائلين عن أسباب ما حدث، هل كانت المشكلة أننا منحنا ثقتنا لأشخاص لا يستحقون ذلك، أم أن الخيانة هي طابع شخصي لدى البعض ومهما فعلتِ فلن يمكنك تجنب الوقوع ضحيتها في نهاية الأمر.
أو هل للخيانة أسباب آخرى يمكنك توقعها والتعرف عليها؟ تابع معنا من خلال الفقرات التالية أسباب الخيانة وكيفية استعادتك لثقتك بنفسك والمضي قدمًا في الحياة بدون عقد.
الثقة أساس أي علاقة إنسانية طبيعية
إن العلاقات أساسها الثقة، وسواء كانت هذه العلاقة رومانسية أو علاقة صداقة أو حتى شراكة عمل.
فأنت تتوقع دائمًا أن يكون هؤلاء الأشخاص إلى جوارك، يدعمونك عند الحاجة، وتقوم لهم أنت أيضًا بالمثل عندما يحتاجون إليك.
ولكن ماذا سيكون رد فعلك عندما يتصرف هؤلاء بطريقة تخيب آمالك وتجعلك تشعر بآلم الخيانة ووجعها؟
المصلحة الشخصية أحد أسباب الخيانة الشائعة
ربما تكون على علاقة وثيقة بأحدهم في العمل، وتكون الشخص الأجدر بترقية قادمة، ولكنك تتفاجأ بأن هذا الشخص قد نالها بطرق ملتوية.
وذلك على الرغم من كل ما يجمعكما من تاريخ مشترك، وكل ما قدمته له من مساندة ومساعدة، وربما تكون أنت من وضع قدمه على الطريق في بداية عمله.
وربما يزيد الطين بلّة إذا ما وجدت هذا الشخص يشيع عنك أنك لست كفؤ للمنصب، وأنك لا تفقه شيئًا ولا تمتلك متطلبات العمل اللازمة.
ويصبح الأمر كما يقول الشاعر:
أُعَلِّمُه الرمايَة كُلَّ يَومٍ فَلَمّا اشتدَّ ساعِدهُ رَماني
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني
اقرأ أيضًا: حيل الشخصية النرجسية
المصلحة الشخصية هي الصخرة التي تتحطم عليها كل القيم
وفقًا للدراسات الحديثة، فإن الناس يميلون للخداع وهو شكل من أشكال الخيانة عندما يحقق لهم ذلك مصلحة شخصية تفوق أي ضرر قد ينتج عن خداعهم وخيانتهم للآخرين.
فهذا الشخص الذي خدعك ونال منك للحصول على ترقية أو مصلحة شخصية تمتليء نفسه بالحقد والغضب والشعور بالدونية.
إنه يشعر بأنه لن يتمكن أبدًا من تحقيق ما يريد والحصول على فرصة مناسبة إذا ما سارت الأمور سيرها الطبيعي.
ولذلك هو يجد لنفسه المبررات لخيانتك والنيل منك وإشاعة الأكاذيب عنك وحتى تتحقق لك المصلحة الشخصية التي يسعى ورائها.
الغضب أحد الأسباب الأكثر شيوعًا للخيانة
وجدت دراسة أجريت على مجموعة من الأشخاص أن الناس يمكنها أن تخون وتهدد مصالحها الشخصية إذا ما تم إغضابهم.
وتضمنت المسابقة تقسيم المجموعة لفريقين، وإظهار صور واضحة لمجموعة بينما يرى المجموعة الآخرى صورًا غير واضحة لنفس الأشياء
ويتم عمل شراكة بين شخص من المجموعة التي ترى الصور الواضحة، وشخص ممن يرون الصور الغير واضحة.
ويتم سؤال الشخص الذي لم يرى الصور الواضحة عن تفاصيلها ويسمح لمن رأها واضحة بشرح ما فيها له.
وتعمد الباحثون إثارة غضب الأشخاص الذين يرون الصور الواضحة من شركائهم.
فما كان منهم إلا أن أعطوهم تفاصيل غير صحيحة عن الأشياء الموجودة بالصور ليخسرا معًا المسابقة.
فعندما تشعر بالغضب تفقد القدرة على التفكير السليم، وينخفض لديك الرغبة في التعاون وحتى في الفوز وتحقيق المصلحة الشخصية.
آثار الوقوع ضحية الخيانة
إن أسوأ ما في الخيانة أنها لا تقع إلا ممن نثق بهم، فلو لم نثق بهم لما كنا ضحية لخيانتهم من الأساس.
ولذلك فإن تأثير الخيانة يكون مضاعفًا علينا حيث يتراوح ما بين خيبة الأمل، وما بين عدم القدرة على الوثوق في أي شخص آخر مدى الحياة.
أما تلك العلاقات التي دعمتها السنين وصقلتها المواقف واستمرت حتى ظننت أنها لا يمكن أن ينفصم عراها بسبب الخيانة فهي الأكثر وجعًا على الإطلاق.
وخاصة إذا لم يرد منك تجاه هؤلاء أي بادرة تتسبب في استباحتهم لخيانتك، وكنت دائمًا الداعم لهم والقائم ببعض شؤونهم التي لا غنى لهم عنها وبدون مقابل.
إن استعادة الثقة في مثل هؤلاء أمرًا مستحيلًا.
اقرأ أيضًا: مشكلات العلاقة الزوجية
الرغبة في الانتقام
عندما نتعرض للخيانة فإن أول ما يخطر ببالنا هو الحاجة للانتقام، سواء كنا واعين لهذه الرغبة أو تملكت علينا أنفسنا بلا وعي.
لقد زعزعت الخيانة عالمنا، ونحن ما بين الحزن والغضب نرجو العدالة فقط لأنفسنا، فمن الإنصاف أن يذوق الخائن جزاء خيانته وأن لا يمر الأمر بدون عواقب.
إن هذا التفكير ينهكنا على المستوى العاطفي ويستنفد طاقاتنا.
وبدلًا من التعافي من آثار الخيانة وإلقاء هؤلاء الذين لا يستحقون منا حتى ان ننظر إليهم خلف ظهورنا وتخطيهم مثل عقبة أو مثل أحد المخلفات الضارة.
نجد أنفسنا في دائرة مغلقة من جحيم الغضب والحزن ونقد الذات.
تجنب الدخول في أي علاقات وثيقة وفقدان الثقة بالآخرين
عندما نتعرض للخيانة نبدأ في بناء الأسوار حولنا، نصنع جدارًا عاطفيًا يفصلنا عن الآخرين.
في هذه الحالة يسعى الشخص لتدمير أي علاقة يمكن أن يكون لها مستقبل حتى لا يتعرض مرة آخرى للخيانة ويجد في العزلة ملاذًا أمنًا.
وعلى الرغم من أن هذه الجُدر العاطفية يمكن أن توفر لنا الأمان إلا أنها ستمنع عنا أيضًا كل سعادة ممكنة وكل إحتمالية لعيش الحياة كما ينبغي لها أن تعاش.
النمو وبناء الشخصية والتعلّم من التجارب السابقة
إن إخفاقات الماضي يجب أن تكون لبنات في بناء شخصياتنا وأن تكون وسيلة للتعلم والنمو وليس الانغلاق والتقوقع على الذات.
إننا ننمو بالتجربة وبمعرفة الخطأ والصواب وما الذي يناسبنا حقًا وما الذي لا يتفق معنا.
وأهم الدروس والعبر يمكن أن تتعلمها من الخيانة فهي كفيلة بتعليمك أن الحياة لا يمكن أن تستقيم بالعطاء وحده، وأنه على الطرف الآخر أن يقدم لك مبررات للثقة، وأن يمر عبر اختبارات حقيقية ليستأهل ثقتك.
فكم من علاقات دم وثيقة انتهت بنهاية بائسة، وما ذلك إلا لأنهم وجدوك دائمًا تساعدهم وتعينهم على شؤونهم حتى ظنوا أن كل شئ مسموح لهم، وأنك ستبقى مهما فعلوا.
إن الخيانة أمر وارد مثل كل شئ آخر في الحياة ولكن ليس علينا أن نتوقف عن التعامل مع الآخرين لمجرد أن من بينهم خائن أو كاذب أو استغلالي أو أي صفة سيئة لا نقبل بها.
الناس لا تترقف عن ركوب الطائرات لأن هناك حادثة وقعت لطائرة ما، وفي كل يوم يسافر آلاف الناس حول العالم مستقلين الطائرة دون التفكير كثيرًا في احتمالية سقوط الطائرة.
إن الحياة لا تسير على نسق واحد، ولكن لابد من وجود منغصات، ولابد من وجود السعادة فيها أيضًا، والخيانة أحد تلك المنغصات التي لا يسلم منها أحد.
ويكمن الفارق هنا في طريقة تعاملنا معها، وما إذا كنا سنزيد من خسائرنا النفسية والروحية والمادية أو سنمضي قدمًا ونعرف أن من خاننا خسر نفسه وخسرنا ونحن لم نخسر شيئًا.
فأكبر مكسب يمكن أن تخرج به من الخيانة هو فقدان خائن!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق