الاثنين، 12 أغسطس 2024

المختفون من على الشاشات Ghosting

 


إن عصر الإنترنت والشبكات الاجتماعية قد صنع لنا عالمًا من الخيال، وأصبح مسرحًا للمُقنّعين والمستترين من كل لون وجنس.

فالأمر في غاية البساطة، وبمجرد أن تضغط على زر ما يمكنك أن تختفي تمامًا من حياة إنسان فلا يمكنه أن يتواصل معك بأي صورة أو يفهم سبب إلقاءه خارجًا.

فيبقى حائرًا يتمنى فقط لو كان هناك سببًا لهذا العمل، وكلما كان التقارب الوهمي أعلى، كلما كانت الحيرة أشد.

العالم الافتراضي


 

إن الحياة قبل ظهور العالم الافتراضي كانت أكثر بساطة، فالناس لديها مجتمعات حقيقية، تعيش حالة من التواصل الطبيعي.

تعرف بعضها البعض بدرجة ما، فلا يمكن لأحدهم أن يختفي ببساطة إلا إذا تخلى عن حياته التي يعيشها.

ولكن بعد أن دخلنا فرادى وجماعات في الماتريكس اختلط الحابل بالنابل.

وظننا أننا نعرف أناس ما هم إلا إلكترونات وموجات يمكن أن يخفيهم العالم الافتراضي فيصبحوا كأن لم يكن لهم وجود أبدًا.

من تجربتي الشخصية ولأنني كنت أكتب بعض الأراء الشخصية المزعجة للبعض وجدت نفسي محاطة بكم هائل من الناس.

أكتشت فيما بعد أن الغالبية العظمى منهم لم يكونوا سوى مخابرات دول، وأشخاص ناقمون، ومتطرفون عقائديًا أو سياسيًا.

لم يكن منهم إنسان واحد يظهر حقيقته على الشاشات، فكلهم متصنع وكلهم يرتدي أقنعة لا تليق به.

وكلما حاول أحدهم إظهار أنه يتمتع بصفة ما كالشهامة أو التدين أو الكرم أو الوطنية، كلما كانت حقيقته معاكسة تمامًا لهذا الذي يبذل جهدًا كبيرًا في سبيل إقناع الناس به.

وعام بعد عام انتقل ذلك السلوك للعالم الحقيقي، حيث أصبح الناس يتحدثون طوال الوقت عن أشياء وصفات لا يقتربون منها بل حتى يكونون عكسها على طول الخط.

ليس لديك فرصة للشرح

إن هؤلاء يهاجمونك، ثم يختفون من على الشاشات، وهم بذلك يتجنبون تعليقاتك وتساؤلاتك أو محاولاتك للدفاع عن نفسك.

هم لا يشعرون بأي تعاطف وليس لديهم أي إحساس بالذنب، بل انهم قد يتهمونك أنت بما ليس فيك، فأنت غافل لا يمكنك معرفة ما يقولون أو الدفاع عن نفسك وإظهار الحقائق.

اقرأ أيضًا: تخلى عما لا طائل من وراءه

الاستتار في الحياة الواقعية

قديمًا كان من يريد أن يستتر ويترك الأخرين وراءه فعليه أن يهجر مجتمعه وعمله وعائلته وكل ما يمت له بصلة ويسافر إلى مكان لا يعرفه فيه أحد

أما اليوم ولأننا جميعًا إلكترونات تسبح في العالم الافتراضي، فيمكن تعطيل أي شحنة عن الوصول للأخرين وعزلها، وبسهولة شديدة.

هل يمكن تهميشك الأن في الحياة الواقعية ؟

بمعنى أخر، هل يمكن لأحدهم أن يقوم بعمل بلوك لك في الحياة الواقعية ويجبر الأخرين على ذلك؟

إنه بالأحرى فيلم رعب يمكن أن تعيشه الأن بسبب التكنولوجيا الحديثة.

وعندما يجدك بعض المتحكمين بالمال والنفوذ تمثل خطرًا عليهم يمكنهم عزلك تمامًا ومنع أي شخص من الحديث معك بصورة طبيعية.

فتجد نفسك معزولًا منبوذًا لا تملك حتى فهم حقيقة ما يحدث أو الدفاع عن نفسك. 

اقرأ أيضًا: صدمات الطفولة

ما العمل؟


 

إن الحياة الأن أصبحت مكانًا غير أمنًا سواء في العالم الافتراضي أو العالم الحقيقي، ولذلك لا تفط في الثقة في أحد.

فلا أحد .. لا أحد يظهر على حقيقته، ولا أحد يهتم لأمرك حقًا إلا بمقدار النفع الذي يمكن أن تقدمه له، اللهم إلا عدد قليل للغاية من الناس لا يبينون وسط الزحام.

لذلك كن دائمًأ مستعدًا ومؤهلًا نفسيًأ لانفصام أي نوع من العلاقات في هذا الزمن، ولا تترك حياتك الشخصية رهنًا لأحد.

لا تكشف ذاتك لأحد، ولا تعتبر أن أحدهم هو الدنيا وما فيها أو أن الابتعاد عنه هو نهاية المطاف.

ومن ابتعد عنك اعتبر نفسك محظوظًا أنه قد كشف نفسه ولا تبحث عنه كثيرًا.

وكن كما قال القائل:

"الود بالود، والصد بالصد، وقلوبنا عزيزة لا تمشي في طريق الذل، فمن استغنى فنحن عنه أغنى، ومن بقى نحن له أبقى، ومن كان لنا سكنٱ كنا له وطنًا."

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق